مع انقضاء سنة وإطلالة آخرى
وما المرءُ إلا راكباً ظَهْر عُمرِهِ * في سفرٍ يُضْنيه بـاليوم والشهرِ
يَبيتُ ويُصبح كـلّ يومٍ وليلـةٍ * بعيداً عن الدنيا قريـباً من القبرِ
لقد أقسم اللهُ بالوقت حيث قال عزّ مِنْ قائل: (والعصر)، (والفجر)، (والضحى)،...
ولا يُقسم العظيم إلا بعظيم، ممّا يدلّ على أن الوقت نعمة نفيسة، فهو رأس مال الإنسان، منه ينفق وبه يستجلب مصالح دنياه وآخرته، فإنْ أحسن استثماره بالإيمان والعمل الصالح، واجتهد في تنميته بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر: فذلك هو الربح المبين والفوز بجنات النعيم عند الكريم الحليم.
وأمّا إنْ فرّط في وقته وزَهِد في أيّامِهِ فاتخذها مطيّة إلى المعاصي، وأذهب أنفاسه بلا نفعٍ يعودُ عليه، فتلك هي الخسارة الفادحة التي لا تُستعادُ ولا تُستأنف.
أليـس مـن الخسـرانِ أنّ لياليـاً تمرُّ بلا نفعٍ وتُحسَبُ من عمري؟!!
ولئن فَرِح الغافلون بنقص أعمارهم ومرور السنوات عليهم، فإن المُجِدّين في سيرهم إلى ربهم يقفون عند كل محطّةٍ وقفةَ تفكُّر وتذكُّر: يراجعون جدول حساباتهم وينظرون في مغارمهم ومكاسبهم، فيحزنون إذا ما رأَوْا سوءَ تدبير، ويندمون على كل تقصير، ويعزمون على التغيير... ثم إنهم يفرحون بالحسنات ويُسَرُّون بالأعمال الصالحات ويستبشرون برضا ربِّ الأرض والسموات...
إنّـا لنفـرح بالأيـامِ نقطعهــا * وكلُّ يوم مضى يُدني من الأجلِ
فاعمَلْ لنفسك قبل الموت مجتهداً * فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
هذا لسان حال العاقل الذي فَهِمَ حقيقة مجيئه إلى الدنيا، وعرف مصيره ومآله بعد هذه الفانية!!
ومع حلول سنة جديدة، فإننا نغتنم هذه المناسبة لنقدّم لأنفسنا أولاً ثم لإخوتنا في الله نصيحةً يَحْسُنُ أن نجعلها ميزاناً نقيس به أعمارنا وأعمالنا.
قيل قديماً: "من استوى يوماه ـ أي يومُه وأمسُه ـ فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو مخزون، ومن لم يتفقّد الزيادة من عمله فهو في نقصان".
إن كل يوم يعيشه المؤمن يُعَدُّ غنيمة عظيمة وهدية فخيمة، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: "كلُّ يوم ينشقّ فَجْرُه ينادي: يا ابنَ آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزوّد مني بعملٍ صالح فإني إذا ذهبت لا أعود".
فما مضى من أعمارنا قد ذهبت لَذَّاتُه أو عضّاتُه، وبقِيَتْ تبعاتُه، فطوبى لمن أصلح فيما بقي وغُفر له ما مضى، والويل لمن أساء فيما بقي وأُخِذ بما بقي وما مضى.
فمع استقبال سنة جديدة نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يَعْمُرُ يومُه شهرَه، ويُغني شهرُه سنتَه، وتزيد سنتُهُ من ربح عمره... وأن يملأ قلوبنا بالهدى والعلم، ويُلهمنا صوابَ العمل وحُسْن الفهم... وأن يعمَّنا بفضله ورحمته ويُعيد علينا مواسم الخير بالعزم والبشرى.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة