أديبة وكاتبة | المدينة المنورة
أيام معدودات
أكاديمية إبداعية برنامجها متخصص في تربية النفس وتهذيبها وتصحيح مسارها وتقويمها، تعتمد في كل ذلك على التدريب العملي وورشات العمل، يتخرج المتعلمون منها وقد تمرنوا على الكثير من السلوك والأخلاق والقيم، كالصبر والنظام واحترام الوقت وأهمية القوانين والتسامح وصلة الأرحام والإحساس بالآخرين والتكاتف والوحدة، بل ويتعلمون فنون التعامل والتواصل وإدارة الغضب، ويتعلمون أن كل شيء قابل للتغيير إلى الأفضل.
المدهش أنها لا تكتفي بأن تعلّم وتدرّب وتطور، بل وتمنح المتعلمين شهادات قد حصلوا فيها على درجات عالية تؤهلهم لدخول الجنة بإذن الله.
تفتح أبوابها أياماً معدوداتٍ، والذكي العاقل هو من ينتهز فرصة افتتاحها لينضمَّ إليها ويتعلم في مدرّجاتها وصفوفها ويتخرج وقد غفر الله له وأعتقه من النار.
فيها يتسحّرون في وقت معيّن وفي سحورهم بركة لهم، ويصومون يومهم مبتدئين معاً، ويُفطرون معاً، ولهم عند ذلك فرحتان كما قال صلى الله عليه وسلّم: "للصائم فرحتان"، فرحة حين يفطر (فهو يستمتع بالمباح الذي حُرِمَ منه ويشعر بشعور الناجح في الامتحان عند كل إفطار)، وفرحة حين يلقى ربه (وقد ادّخر الله له الثواب عندما يكون في أشد الحاجة إلى ذلك الثواب). وهم يحرصون على قراءة القرآن في كل وقت كما كان يفعل السلف الصالح، فقد كان الزهري إذا دخل رمضان يقول: "إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام"، ويصلّون التراويح والتهجد، ويسعدون بعبادة الدعاء وساعات الاستجابة الممنوحة لهم أثناء صومهم وعند فطرهم: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترَد"، وهل يُنكِرُ أحد جمال وقع الدعاء على القلوب والعقول والأبدان والأرواح؟! يتقربون به إلى الله فيرتاحون ويغسلون أحزانهم ويملؤون نفوسهم بالأمل والتفاؤل، فتنشط أجسامُهم وتَقْوى.
في أكاديمية رمضان يتذكرون الأرحام فَيُنْسَأ في رزقهم وتطول أعمارهم كما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلّم، وفيها يُحيُون ليلة القدر المنحة الكريمة من الرب الكريم في الشهر الكريم، هي الليلة التي قيامها خير من ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين عاماً، أكثر من ثلاثين ألف يوم وزيادة! قيام ليلة واحدة خير من كل ذلك؟ نعم! فأيُّ عاقلٍ يضيّعها؟ بل أي مجنون يفرّط بها وبأكاديمية رمضانَ من أجل مسلسلاتٍ أو مسابقاتٍ تقامر بأموال الناس أو برامجَ تعرِضُ أخبار زواج أو طلاق أو ملابس أو سفر الناس الأكثر فساداً، أو متابعة وصفات الأكلات...
رمضانُ شهر يحبه حتى الأطفال، ويحبون أن ينضمّوا لأكاديميّته، فعلينا أن نحرص على ذلك، سيكبرون ويتذكرون أن رمضان كان مختلفاً مُبهِجاً بما فيه من عبادات، لن ينسوا أنهم اجتمعوا مع والدهم أو والدتهم لقراءة القرآن والصلاة وإطعام الطعام وتهنئة الأهل وتفقّد الجيران، ولو قدَّم لهم الوالدان الهدايا المناسبة كالمصاحف والسجادات وملابس الصلاة، فسيُنقَش في ذاكرتهم الصغيرة أن رمضان هو الشهر الأجمل بطاعاته، وستسترجع ذاكرتهم العاطفية أن رمضان يساوي السعادة والرفق والدفء والعائلة والحب... ويسهل لاحقاً في مراهقتهم وشبابهم أن يستغلّوا رمضان ولو قدر المستطاع، وسيشعرون بالذنب إن أذنبوا مما يُسَهِّل عليهم التوبة والإنابة.
وسيتعلمون مع الكبار أن رمضانَ موسمٌ نحيا فيه جميعاً بطريقةٍ مختلفةٍ عمّا اعتدنا، فهو الفرصة الأعظم والأسهل للتغيير نحو كل شيء جميل.
رمضانُ شهرٌ بريقه يبدأ قبل أن يبدأ، ولا ينتهي حتى بعد أن ينتهي، نشم رائحته عن بعد، فنشتاق إليه، ويظل يقترب ويقترب حتى يهلّ هلاله، فيدخل علينا ويعيش معنا منقذاً لنا من أسقام أبداننا وآلام صدورنا وعطش أرواحنا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة