إنه صديقي...
في باحة الجامعة جلستُ ورميلاتي ندردش معاً ريثما يحين موعد المحاضرة التالية... كنا نناقش موضوع الشخص الذي ترتاح له الواحدة منا، وتطرح حمولة همومها عندما تلقاه، وتعتبره مستودع أسرارها... فمنا مَن قالت: هي أمي، وأخرى: أختي، وثالثة: صديقتي... أما أنا فقلتها بصراحة: إنه صديقي... فلا أرتاح لغيره... أشاركه أفراحي وأتراحي، أُودِع عنده أسراري... وهو كذلك يفعل... فسألتني هالة مصدومة: أحقاً ما تقولين؟ لعلك تمزحين؟ أجبتها: أنا جادّة تماماً، هو زميلنا أحمد من فرع الهندسة، فقد عشنا طفولتنا ومراهقتنا معاً منذ السنوات الدراسية الأولى... لماذا اندهشتِ؟ فأجابتني بسؤال: كيف تفهمين الصداقة وكيف تمارسينها؟
لم أفكر يوماً بفلسفة الأمر بهذه الطريقة... كل ما هنالك أنني أتفق مع صديقي وأنسجم مع طريقة تفكيره... فكيف تريدينها أن تكون؟
- ردّت هالة: حسناً يا لين، إن لم أتوقف معك عند الضوابط الشرعية في التعامل بين الجنسين، فإنني أسألك عن مستقبل هذه الصداقة عندما تتزوجين: هل سيبقى صديقُك صديقَك؟ متانة علاقتكما... تواصلكما المستمر...؟ هل سيقبل زوجكِ بصديقٍ لزوجته؟!!
في الحقيقة لكأنها صفعتني بهذا السؤال الذي لطالما أجّلتُ طرحه على نفسي كلما خطر لي!
انتهى النقاش بيننا بمجرد أن حان موعد المحاضرة...
مرحباً لولو، كيف حالك؟ اشتقت إليك كثيراً... هذا ما قاله صديقي أحمد وهو مسرع الخطا قبل أن تبدأ المحاضرة...
لطالما رفض عقلي مسألة الضوابط بين الجنسين؛ فقد كنت أعتبرها تعقيدات لا داعي لها... وأقدّم صداقتي مع أحمد نموذجاً على أن الشاب والفتاة من الممكن أن يكونا صديقين دون أن ينزلقا في العلاقة الآثمة...
ولكن هل أستطيع إن تزوجتُ الابتعاد عن أحمد؟
... مرّت الأيام سريعاً، وتخرجنا... وما زالت صداقتي لأحمد تزداد يوماً بعد آخر...
إلى أن جاء اليوم الذي تقدّم فيه لخطبتي شابّ ثريّ من عائلة راقية... وهنا الامتحان الذي فاق بصعوبته تعقيدات امتحانات السنة الأخيرة... لأول مرة أشعر بأنني لن أستطيع الانسجام مع شاب غير أحمد...
وعندما استشرتُه توقّعتُ أن يعترض، أن يصارحني بأنه يريدني زوجة له حتى وإن لم يكن قادراً على الزواج الآن... على الأقل أن يشعر بالغيرة، أن يخشى ابتعادي عنه... شيء من ذلك لم يحدث إطلاقاً!!!
لا أُخفي... شعرتُ بالحزن العميق؛ ولكنني واسيتُ نفسي قائلة: ألم أختر بأن تدوم صداقتنا كل تلك السنوات وأطلقت لنفسي العنان حتى تعلّقتْ به ولم تستطع فِكاكاً عنه؟
أقنعتُ نفسي بأنه صديقي، ولكن يبدو أنني في لاوعيي كنت أحبّه وأتمناه زوجاً لي، وإلا لما بُحتُ له بمكنونات قلبي... إلا هذه... حقيقة مشاعري... فقد كنتُ أُكابر حتى مع نفسي...
الآن أدركتُ حقيقةَ أنه لا توجد صداقة بين الشاب والفتاة، ممكن أن يكون تعاطياً ضروريّاً له ضوابطه لتسيير الأمور والأعمال... أما القرب الشديد.. الخوض في خصوصيات كل منهما...
صحيح أنني اقترنتُ بغير أحمد رغم أنني أحبّه، وباعدت الأيام والظروف بيننا إلا نادراً... لكن بقيتْ في قلبي حُرقة حتى أعرف: كيف استطاع أن يجرِّد علاقتنا تماماً من أيّ مشاعر من شأنها أن تنشأ بين الجنسين؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن