الحج جهاد كل ضعيف

«جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة: الحجُّ والعمرة».

هذا حديث حسن الإسناد، رواه الإمام النسائي في سننه (5: 114) في كتاب الحج، باب فضل الحج، عن سيدنا صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة رضي الله عنه، وانفرد بإخراجه دون سائر الستة بهذا اللفظ. وقد حَسّن الإمام الحافظ المُنذري إسناده في «الترغيب والترهيب» (109:2 ح 1645 - طبعة مستو ورفيقَيْه). وورد بلفظٍ مجملٍ بنفس المعنى عن أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

حديث 167: «الحجُّ جهاد كلِّ ضعيف».

وهو حديثٌ رواتُه ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً بين الإمام محمد الباقر والسيدة أم سلمة فإنه لم يسمع منها، رواه الإمام ابن ماجه في سننه (ح 2902)، في كتاب المناسك، باب: الحجُّ جهادُ النساء. وينجبر ضعفه اليسير بسبب الانقطاع بحديث أبي هريرة. وقد انفرد الإمام ابن ماجه بإخراجه أيضاً من بين الستة. 

ورواه الإمام أحمد في مسنده (26250، 26585، 26674) عنها رضي الله عنها وكرّره ثلاثاً كما يُلاحَظ لتلقِّيه عن عدة من شيوخه.

مُفاد الحديثين

نستفيد من الحديثين أن الحج - وبمستوى أخفّ العمرة - عبادةٌ فيها مشقّة، وهما دورةُ تدريبٍ على التحمُّل في سبيل الله، وهذه مرتبة من مراتب الجهاد. ولذلك يُعتبر (الحج والعمرة) في حق الضعفاء الذين خفّف الله عنهم تكليفَ (الجهاد) لمشقّته وصعوبته لقوله سبحانه: {كُتب عليكم القتال وهو كُرهٌ لكم} جهاداً: من باب المراعاة لطاقتهم، وهذا من يُسْر الشريعة المباركة.

لذلك على الحُجّاج والعُمّار عموماً أن يتهيّئوا لعبادةٍ تُقرّبهم إلى الله وتُشبع عاطفة الحب له سبحانه وتعالى في قلوبهم من جهة، ومن جهةٍ أخرى تُعدّهم للجهاد، وبالنسبة لضعيفي البُنية الجسدية هي بمثابة الجهاد في حقهم، وبالتالي لا يفوتهم أجر الجهاد في سبيل الله ولا فضلُه العظيم ويَلحقون بأداء هاتين العبادتين العظيمتين بالقادرين على الجهاد الذي هو ذِروة الإسلام!

ولا شك أن هذا المعنى يُلقي الضوء على أن الترفُّه وحجَّ (خمس نجوم) - كما يُقال! - ليس من مقصود عبادة الحج - ولا العمرة - وينافيان حكمة هاتين العبادتين التربوية! 

فاللهَ أسأل أن يتقبّل من الحُجاج والمعتمرين ويُجزل ثوابهم ويُعظم استفادتهم، ويرزقني وسائر أهلي وإخواني الحج والعمرة مرات وكرّات.