من تعظّم في نفسه أو اختال في مِشْيته؛ لقي اللهَ وهو عليه غضبان
«من تعظّم في نفسه أو اختال في مِشْيته؛ لقي اللهَ وهو عليه غضبان»!
هو حديث صحيح، أخرجة الإمام أحمد في المسند (5995)، والإمام البخاري في «الأدب المفرد» (549)، والإمام البيهقي في «شُعَب الإيمان» (8167): كلُّهم عن الصحابيِّ الجليل النَّبيل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه وعن أبيه - سَمِعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وصححه الحاكم في «المستدرك» 1: 60، وقال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» 1: 98: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وبنحوه قال الحافظ المُنْذري في «الترغيب والترهيب» (4302)، في باب الترغيب في التواضع، والترهيب من الكِبْر والعُجب والافتخار، وقد أورد فيه (44) حديثاً، منها هذا الحديث.
شرح بعض المفردات:
تعظَّم في نفسه: أي اعتقد أنه أعظم من غيره وأُعجب بها، وشَعَر بزُهُوّ، قال العلاّمة السِّنْدي في حاشيته على المسند: أي تكبّر في اعتقاده بأنْ رأى نفسَه كبيراً عظيماً. اختال في مِشْيته: مشى مِشْية المُختال المتكبِّر.
ما يُفيده الحديث... وتواضع النبي صلى الله عليه وسلّم
يُفيد هذا الحديث الوعيدَ على العُجْب واعتقاد المرء بنفسه العَظَمة... ويظهر ذلك بنظرته إلى الآخرين واعتقاد تفوُّقه عليهم بسبب مالٍ أو علمٍ أو جمال أو ذكاء أو منصب أو لَقَب... أو قد يظهر بمَشْيه مِشْية المُختال المتكبّر المتعالي على الناس... أو بهيئات أخرى كنَفْشة الصدر أو التفاتة العُنُق ونحو ذلك، ولا شك أن المُعجَبَ بنفسه خفيفُ العقل! قصير النظر! فارغ النفس!
قال الإمام حجّة الإسلام المصلح المربِّي أبو حامد الغزالي رحمه الله في «الإحياء» - 3: 297 -: «التواضع من أجلّ أخلاق المؤمنين لأنّ به يَعرِفُ المرءُ نفسَه وحقيقَتَه فلا يَهْلِك بالأخلاق المنافية له: كالكِبْر والعُجب والغرور، وبذلك يَسْلم إيمانُه وإسلامُه من آفات مساوئ الأخلاق الكبيرة تلك. كما لا تَتِمّ التقوى إلا بالتواضع».
ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام الذي أُوتي الكمال البشري من كلِّ وجهٍ وفي كل صفةٍ أشدَّ الناس تواضعاً مع أنه أكملهم وخيرهم! وكتب الداعية الفقيه الأخ د. أحمد عبد العزيز الحدّاد (25 صفحة) عن تواضعه صلى الله عليه وسلّم من كتابه الفخم الحفيل «أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن والسنة»: 1: 476.
واستوفى الإمام الغزاليُّ أيَّما استيفاء بعبقريّته التربوية ومعالجته المعمَّقة في كتاب ذمّ الكِبْر والعُجب من «الإحياء» في رُبْع المهلكات منه الكلام حول هذا الموضوع وخاصة تحت العناوين التالية: بيان البواعث على التكبُّر والأسباب المهيِّجة له - بيان أخلاق المتواضعين ومجامع ما يظهر فيه أثرُ التواضع والتكبُّر - بيان الطريق في معالجة الكِبْر واكتساب التواضع - بيان غاية الرياضة في خُلُق التواضع - بيان أقسام ما به العُجب وتفصيل علاجه.
اللهم ارزقنا أخلاق المتواضعين... وجنِّبنا العُجْب وكِبْر المغترّين..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن