وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم!
«من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثاء جهنّم! قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلَّى؟ قال: وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم! فادعوا بدعوةِ الله التي بها سمّاكم: المسلمينَ، المؤمنينَ، عبادَ الله»!
هو حديث صحيح، وهو الجزء الأخير من حديث طويل من روائع كلام النبوة رواه من أصحاب السنن: الإمام الترمذي في سننه (3079)، في الأمثال، باب ما جاء في مَثَل الصلاة والصيام والصدقة، والإمام النسائي في سننه الكبرى (8815 و11286) مقتصراً على هذا الجزء، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (17170): كلُّهم عن الصحابي الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصحَّحه ابن حِبّان (6233- الإحسان)، وابن خُزَيْمة في صحيحه (1895)، والحاكم في «المستدرك» 1: 118 و422، وقال الترمذي عِقَب الحديث: حديث حسن صحيح غريب.
ضبط بعض كلمات الحديث ومعناها:
---------------------------------
جُثاء: بضم الجيم وبالمد، أو بالقصر: جُثى، وكذلك ضُبطت: جُثِيّ. وعلى الأول والثاني جمع جُثوة بضم الجيم ومعناها: ما جُمع وكُوِّم، أي الناس الذين جُمعوا لتعذيبهم في نار جهنّم! أجارنا الله عزّ وجلّ من لهيبها وعذابها، وعلى الثالث أي جُثِيّ: يكون المراد الذين يَجْثون على الرُّكَب، جمع جاثٍ، كما في قوله سبحانه: {لنُحْضِرَنَّهم حول جهنّم جِثِيّا}.
الجاهلية: كل ما يُقابل الإسلام من نُظُم وتشريعات ومناهج.
المراد من الحديث:
------------------
أراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الكلام الدقيق التحذير من تبنِّي الدعوات والدعاوى التي تقابل دعوةَ الإسلام ونظامَه، ووصفها بأنها جاهلية! وتوعّد الداعين بها والحاملين للوائها بأنْ يكونوا من أكوام جهنم يُحْرَقون بها - والعياذ بالله - لأنّ فيها مضادّةً ومحادّةً لله ورسوله، وهي دعوى للربوبية كاذبة!!
ورائع هذا الحديث أنه يُفيد أنّ الإسلام انتماء، ودعوةٌ والتزام، أما مجرَّد أداء الشعائر والاقتصار على الزعم بالانتساب للإسلام مع تبنِّي غيرَ دعوتِهِ فإن ذلك لا يُنجي فاعلَه من عذاب النار ولا يمنع عنه صفة (الجاهلية)!
وهذه صَفْعة قويّة في وجوه الطائفيِّين والعلمانيِّين - في عصرنا - الذين يَقْصرون الدين على مجرد أداء الشعائر مع تفريغها من مضمونها والالتزام بمُقتضياتها مهما حَمَل مؤدِّيها من أفكار وقوانين ودعاوى منافية لما شرعه الله عزّ وجلّ، كمنْ يُصلّي ويفتخر بأنه علمانيّ، أو مثلاً لا يمانع أن يحتكم لقانون الزواج «المدني!» - اللادينيّ -.
ولذلك فإن الأمرَ النبويَّ الحاسم هو تبنّي دعوة الله والدعاية لها والالتزام بمضامينها إذ أنّ الله سبحانه ما سمّانا مسلمين أو مؤمنين أو عبادَ الله إلا بحملها والدعوة إليها وتبنّيها ونبذ ما يخالفها.
فاللهمّ ثبّتنا على دينك، وأعزّنا بدعوة نبيّك، واحفظنا من مجانبة طريقك... يا أكرم الأكرمين!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن