قِيَم العفاف في حوارٍ مع د. نهى قاطرجي
كتب بواسطة حاورتها: منبر الداعيات
التاريخ:
فى : حوارات
1409 مشاهدة
دعت الرسالات السماوية كافة إلى العفاف، وشرعت لذلك القوانين التي تكفل تعزيزه في المجتمع صيانةً لأبنائه وحفظاً للحقوق العامة فيه، ولقد أثنى القرآن الكريم على هذه القيمة الإنسانية الإسلامية وخصّص لها في القرآن الكريم سورة (النور) التي تبيّن ضرورة العفاف، كما أشار إليها بشكلٍ جليّ من خلال قصة يوسف عليه السلام.
وحول أسباب اندثار هذا المفهوم، والخطوات العملية التي تُعيد للمجتمع طهارته، وغيرها من الأسئلة حاورنا الباحثة في قضايا المرأة د. نهى قاطرجي (أستاذة مادة الأخلاق في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية):
1. «منبر الداعيات»: العفة... العفاف... الفضيلة... الحياء... قِيَم جميلة افتقدناها في عصر العولمة: ما أسباب اندثارها؟ وكيف نعيد إحياء معانيها من جديد؟
عوامل كثيرة أدّت إلى فقدان قيم العفاف في المجتمعات الإسلامية، منها: البُعد عن الدين، الانفتاح الإعلامي، تقليد الغرب، انتشار وسائل الإغراء وسهولة الحصول عليها، الوسائل التكنولوجية من فضائيات وإنترنت... أما وسائل إحياء هذه القيم فتكون عبر تضافر الجهود الفردية والجماعية والعمل على إحياء سُنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سَن القوانين المحلية التي تفرض العقوبات على المُخلّين بالآداب، التربية الأُسَرية والمدرسية، الصُّحبة الصالحة... وما إلى ذلك من وسائل تفيد في إعادة إحياء قيم العفة والفضيلة.
2. «منبر الداعيات»: هل أصبح من الضروري – باعتقادك – إدخال مادة «العفاف» بكل مدلولاتها وأبعادها إلى مناهج التربية الحديثة بعد أن كانت فطرة لا تحتاج إلى دراسة أكاديمية؟ وكيف يكون هذا؟
لقد كانت مادة التربية فيما مضى تدرَّس في المدارس باعتبارها مادة أساسية للطلاب، وإضافة إلى ذلك كان الطفل يتعلّم منذ صغره فضائل الصدق والصبر والحياء والعِفَّة وهو يقرأ كتب القراءة والتاريخ، بل وحتى الحساب. ولكن في هذا الزمن، مع تغير القِيَم والتطوّر الذي لحق بمناهج التدريس، والتحوّل إلى العولمة، تحوّلت هذه القيم إلى مجرد شعارات واستبدلت بها في الكتب الدراسية قيم الديمقراطية والحرية والمساواة وما إلى ذلك من قيم مستوردة من الفكر الغربي...
من هنا تأتي أهمية إعادة النظر في مناهج التدريس من أجل إعادة بث المفاهيم والقيم الأخلاقية الجميلة في تلك المناهج... ولكن يبدو أنه لا توجد نية لدى الدول العربية في هذا الاتجاه، خاصة مع التوجه الدولي لفرض البرامج التربوية التي تتلاءم مع قِيَم العولمة!
3. «منبر الداعيات»: مَن المسؤول الأكبر عن زحف موجات الفساد الأخلاقي إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟
لا نستطيع تحميل المسؤولية لجهة واحدة، فهذه المسؤولية تبدأ من الأهل والبيت وتنتقل إلى المدرسة والرفقة السيئة لتصل إلى الإعلام وتنتهي بالدولة. كل هؤلاء يشتركون فيما وصل إليه الأمر من فساد؛ فالأهل الذين يتهاونونأمام انحراف أولادهم ويعجزون عن مواجهتهم بعد أن أساءوا تربيتهم على قيم الفضيلة في السابق، يتحملون جزءً كبيراً من هذا التقصير، كما أن المدرسة التي اختارها الأهل، تساهم أيضاً في هذا الفساد عندما تعجز عن فرض قوانين العِفّة في صفوف تلاميذها، وعندما تسمح بالانفلات الأخلاقي في أَرْوِقَتها؛ أمّا وسائل الإعلام وما تقدمه من مواد فاسدة للشباب والشابات وما تروّج له عبر مسلسلاتها وإعلاناتها من مفاهيم ومبادئ تدعو إلى الإباحية والانفلات الأخلاقي فتتحمل جزءً لا يستهان به من هذه المسؤولية. وأخيراً الدولة تتحمل المسؤولية الأساسية عن هذا التقصير، ليس فقط لأنها عاجزة عن فرض قوانين العفة، بل لأنها على العكس من ذلك، تعمل على إلغاء بعض القوانين التي كانت تُجرِّم مرتكبي الفساد، مثل سعي الدولة اللبنانية إلى إلغاء المواد 487-489 من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بتجريم الزنا، وذلك تماشياً مع التوصيات العالمية!!!
4. «منبر الداعيات»: كيف نربّي الطفل ونروِّض الشاب على ثقافة العفاف؟ وكيف نعمِّم هذه القيمة الكبرى على المجتمع بأسره؟
من أهم الوسائل المساهمة في إشاعة منهج العفاف: التربية الإيمانية وزرع خشية الله في النفوس، وتطبيق آداب الحياء مثل غض البصر والاستئذان، والبعد عن المثيرات الجنسية كالتبرج واللباس الفاضح، والابتعاد عن أماكن اللهو، والامتناع عن مشاهدة الصور الفاضحة، وعدم استخدام الإنترنت إلا في الأمور المباحة، واختيار الرفقة الصالحة التي تعين على حفظ البصر، والتذكير عند النسيان. وأخيراً التشجيع على الزواج المبكر عند الاستطاعة تطبيقاً لما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
5. «منبر الداعيات»: كلمة توجِّهينها لكل فتاة تعرض جسدها على الطرقات، ولكل وليّ أمر يسمح لابنته أو أخته أو زوجته... بالخروج شبه عارية على الملأ.
أذكّر كل فتاة تقوم بمثل هذه الأفعال المخلّة بالآداب بأن تتقي الله وتخشى عقابه. ومن الضروري أن تعرف الفتاة بأنها بتصرفاتها هذه تعرّض نفسها لخطر الإساءة لها من بعض المنحرفين الذين يستغلون خفة عقول بعض الفتيات من أجل الوصول إلى مآربهم، حتى إن معظم مرتكبي جرائم الاغتصاب يدّعون بأن اللباس الفاحش الذي كانت ترتديه الضحية كان الدافع وراء ارتكابهم لجرائمهم.
من هنا فعلى كل فتاة أن تعرف بأن مفتاح العفّة بيدها، وأنها بعفتها تحمي نفسها بالدرجة الأولى، ثم تحمي مجتمعها من الجرائم والأمراض التي تنتشر فيه نتيجة غياب العفة والفضيلة.
6. «منبر الداعيات»: هل من كلمة توجهينها للشباب العابث بالأعراض، الباحث عن المتعة الحرام؟
لا تختلف النصيحة التي أوجهها هنا بين الفتاة والشاب، فتقوى الله عز وجل هي المدخل للتخلّص من الفساد. صحيح أن لبعض الفتيات دوراً كبيراً في إغراء وإغواء الشباب، ولكن للشباب دوراً أكبر في عدم الاستجابة لهذه المغريات التي تعرض أمامهم، وأكبر نموذج على عفة الشباب، عفة سيدنا يوسف عليه السلام الذي رفض عرض صاحبة البيت ذات الجمال والسلطان التي حاولت أن تُغويه وفضّل السجن على الاستسلام لهذا الإغواء.
7. «منبر الداعيات»: كلمة لوسائل الإعلام والإعلان التي تنشر الإباحية والفساد في المجتمع بقوالب برّاقة.
لا بدّ من تذكير القيّمين على وسائل الإعلام بمسؤوليتهم المباشرة عمّا يعرض على شاشاتهم وما يكتب في صفحات مجلاتهم، فالزنا لا يكون بالفعل فقط، بل إن للزنا أبواباً متعددة، فالمطلوب الامتناع عن إذاعة كل ما يمس الآداب العامة، وأن تكون المواد التي تعرض في الوسائل الإعلامية مواد مفيدة، تهدف إلى ترسيخ إيمان الإنسان بربه، وتعمق في داخله القيم الأخلاقية.
8. «منبر الداعيات»: وأخيراً، كلمة لأصحاب السُّلطة والنفوذ في المجتمع، ولكل صاحب قرار متعلِّق بالشأن الاجتماعي العامّ.
من الأسباب الأساسية لفساد المجتمع فساد الأنظمة والقوانين، وفساد الحكّام القائمين على الرعية واحتكامهم لغير أوامر الله ونواهيه، وعملهم على سن القوانين التي تتناسب مع أهوائهم ومصالحهم الشخصية، وتجاهلهم مصالح الناس العامة والخاصة، مما يدفع هؤلاء إلى الانجراف وراء الرذائل اقتداء بحكامهم! فعلى كل مسؤول أن يُدرك أهمية الأخلاق في بقاء المجتمعات واستمرار الحضارات.
***
«منبر الداعيات»: نشكر الدكتورة نهى قاطرجي على هذا الحوار الطيب مذكّرين بأن العفّة هي طريقُ سلامةٍ للمجتمع وحماية لأبنائه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة