المؤاخاة التركية - العربية حوار مع د. إبراهيم الحلالشة
كتب بواسطة حاورته: ريما حلواني
التاريخ:
فى : حوارات
2033 مشاهدة
المؤاخاة التركية-العربية حوار مع عميد كلية اللغات والحضارات
في جامعة أوروبا الإسلامية بتركيا
«المؤاخاة عبر الإنترنت» مشروع يهدف إلى تطوير العلاقات العربية - التركية بين شريحة الشابّات المسلمات، أنشأه فرع جامعة أوروبا الإسلامية في إسطنبول ومركز اللغات التابع لها: «أكاديمية إسطنبول»، وهو أكبر مؤسسة تقوم بتعليم العربية في تركيا لما يزيد على ألف طالبة. ويأمل صاحب الفكرة عميد كلية اللغات والحضارات في هذه الجامعة مدير معهد «أكاديمية إسطنبول» الدكتور إبراهيم الحلالشة أن يلقى هذا المشروع التجاوب من قِبَل العرب. ونحن في مجلة منبر الداعيات يُسعدنا أن نستضيف د. الحلالشة صاحب المشروع ليعطينا المزيد من التفاصيل عنه، وليُطلعنا على أحوال العمل الإسلامي في تركيا بشكل عام، فإلى الحوار:
1. «منبر الداعيات»: لو تعرّف القراء والقارئات بمشروع المؤاخاة الإسلامي التركي – العربي، وبأهدافه وآلياته.
· أشكر لكم أولاً اهتمامكم بمشاريع الخير وحرصكم على توحيد أمة التوحيد.
مشروع المؤاخاة بين العرب والأتراك هو نتاج فكرةٍ وفقني الله تعالى إليها قبل حوالي ثلاثة أشهر بينما كنت أُعمِل فكري في ابتكار طريقة أمَكِّن طالباتي بواسطتها من ممارسة اللغة العربية دون الحاجة إلى السفر إلى البلاد العربية، وذلك لعدم تمكُّن معظمهن من ذلك، فتبادرت إلى ذهني فكرة جمع عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بطالباتي، وهنّ ألف طالبة، وجمع ألف عنوان بريد إلكتروني لنساء من العرب حتى أعطي كل طالبة من طالباتي عنواناً لفتاة أو امرأة عربية تقوم بمحادثتها ومراسلتها باللغة العربية عبر الإنترنت.ومن ناحية أخرى فإننا بهذا المشروع نكون قد حققنا التعارف بين أفراد الأمة الإسلامية الواحدة، وهو من المقاصد الشرعية الكبرى إذ قال تبارك وتعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). ونحن نؤمن أن الأمة ما وصلت إلى ما وصلت إليه من الضَّعف إلا للقطيعة التي افتُعلت بين بلادها وشعوبها، فوجدنا في مثل هذا المشروع وسيلةً لتجاوز كل أنواع الفُرقة وإساءة الفَهم وللتغلب على الخلافات التاريخية الموروثة، كل هذا ونحن نؤمن بالدور الكبير الذي يمكن لمنظمات المجتمع الأهلية أن تقوم به لحل مشاكل الأمة ومعضلات الشعوب بدلاً من الانتظار غير المُجْدي للتوصل إلى حلول من قِبَل الحكومات والجهات الرسمية.
أما الآلية المعتمدة لتطبيق هذا المشروع فهي سهلة جداً ولكنها فاعلة بإذن الله، فقد قمنا بفتح ملف لجمع العناوين الإلكترونية من الطرفين العربي والتركي، ثم كلما آخَيْنا أو توأمنا بين أختين أرسلنا لكل منهما رسالة تعرِّفها بأختها وتدعوها إلى بدء المراسلة والمحادثة بينهما، وهكذا تبدأ عملية المراسلة بين الطرفين.. فكل مَن تنوي الاشتراك بهذا المشروع ما عليها سوى أن ترسل رسالة إلى العنوان التالي: ib78@hotmail.com تبيّن فيها اسمها وبلدها ثم تنتظر أن يصلها رد خلال أسبوع يعرِّفها بطالبة عربية ويدعوها إلى بدء المراسلة معها.
كما ننوي في وقت قريب بإذنه تعالى أن نقوم بطرح مواضيع للنقاش والمحادثة كل أسبوع من خلال رسالة أرسلها إلى كل العناوين المشتركة. كما أننا ننوي في الصيف بإذنه تعالى أن نرتِّب رحلات غير رِبحية من تركيا إلى البلدان العربية وبالعكس حتى تلتقي الأخوات ببعضهن البعض.
2. «منبر الداعيات»: هل هو المشروع الأول من نوعه في تركيا؟
· نعم، هو المشروع الأول من نوعه في تركيا ولله الحمد، والحقيقة أنني أتطلع إلى الزمان الذي نرى فيه مبادرات شبيهة بهذا المشروع تربط إخواننا العرب بإخواننا المسلمين من القوميات الأخرى؛ مثل الإخوة من ماليزيا وباكستان وإيران والهند والصين وأولئك الذين يعيشون في بلاد الغرب كذلك.
3. «منبر الداعيات»: ما نسبة الاستجابة لمشروعكم في الداخل والخارج؟ وما أبرز الجمعيات التي تجاوبت معكم؟
· التجاوبُ في تركيا بدأَ بتصفيق حارٍّ جداً عندما جمعتُ طالباتي في مدرج الجامعة وطرحت عليهن فكرة المؤاخاة، فأدركتُ مدى رغبتهن في التعرف على زميلات من البلاد العربية والتحادث باللغة العربية معهن.. أما التجاوب من قبل الشعوب العربية فكان الأمر ضعيفاً في بادئ الأمر، ولعل ذلك يعود إلى الطبيعة المحافِظة للأخوات اللواتي كنا نسعى لتعريف طالباتنا عليهن، عندها قررت أن أبدأ المشروع بالعدد القليل من العناوين الإلكترونية التي اجتمعت لديّ، ولم تكن تتجاوز العشرين، حيث طلبت من طالباتي أن تقوم كل واحدة منهن بجمع عناوين من كل طالبة تتحدث معها، ثم بعد ذلك يسّر الله تعالى لي التعرف على جمعيات إسلامية رائدة وعلى رأسها جمعية الاتحاد الإسلامي؛ إذ بدأت الجمعية تزوِّدني بعناوين الأخوات الراغبات في المشاركة. ثم بعد ذلك استضافتني إذاعة (حياة إف إم) لأكثر من مرة عبر أثيرها، وأتاحت لي فرصة التعريف بهذا المشروع، الأمر الذي جعل توافد العناوين يزداد سرعة وفاعلية. كما أن القناة السعودية الأولى كانت قد أعدّت فيلماً وثائقياً خاصاً بتركيا وخصّصت لجامعتنا منه حلقة فتحدثت بإسهاب عن هذا المشروع. وأرجو أن يكون حوارنا هذا مع منبر الداعيات سبباً لدعم مشروعنا وتوسيعه أكثر.
4. «منبر الداعيات»: هل سجّلتم مواقف وتجارب متميزة نتجت عن مشروع المؤاخاة؟
· هناك تجارِب متميزة سجلناها ولله الحمد من خلال هذا المشروع، وأكتفي بذكر مثالٍ أو مثالين، فقد جاءتني إحدى الطالبات تقول لي: أستاذ، كيف اخترتم لي الأخت التي أراسلها بكل هذه الدقة؟ قلت لها: ماذا تقصدين؟ قالت: الأخت تشترك معي في نفس العمر والتخصص والاهتمامات! والحقيقة أننا لا نعرف عمر المشارِكات ولا تخصصاتهن ولا اهتماماتهن، ولكن هذا من توفيق الله تعالى لهذا المشروع. كما جاءتني طالبة أخرى تحدثني عن أختها العربية وعن مدى اهتمامها بتعليم العربية، حتى أنها كانت تبعث لها دروساً بالعربية مزودة برسوماتٍ قامت هي بإعدادها، مشكورة.
5. «منبر الداعيات»: ما هو الاهتمام الذي تحظى به اللغة العربية اليوم في تركيا؟ وما هي الآليات التي تعتمدونها لإعادة إحياء استخدام اللغة العربية مِن قِبل الشباب التركي؟
· يمكنني تلخيص بعض مظاهر اهتمام الشعب التركي باللغة العربية في النقاط الآتية:
أ- كانت نسبة الراغبين في تعلم اللغة العربية من بين مجموع الراغبين في تعلم اللغات الأجنبية في الدورات المجانية واسعة النطاق التي نظمتها بلدية إسطنبول تحت اسم «إسماك» هي نسبة الثلثين.
ب- بالرغم من القوانين التي صدرت عن مجلس التعليم العالي قبل قرابة عشر سنوات التي تقضي بتخفيض نسبة تصل إلى 15% من علامة طالب الثانويات الشرعية - التي تدرِّس العربية - ودخوله التنافس مع خريجي المدارس الثانوية الأخرى بعد إنقاص علامته، بالرغم من ذلك، فإنه لا زال في تركيا ما يزيد على 450 مدرسة شرعية يَدرس فيها اللغةَ العربية والعلومَ الإسلامية ما يزيد على مائة ألف طالب وطالبة، علماً بأن هذا العدد كان قبل صدور ذلك القانون قد بلغ ستمائة ألف طالب وطالبة. ويشار إلى أن الحكومة الجديدة قد ألغت هذا القانون مؤخراً ويُتوقع تبعاً لذلك زيادة كبيرة في عدد طلاب وطالبات الثانويات الشرعية.
ج - عدد كليات الشريعة في تركيا 25 كلية، وهي تدرّس اللغة العربية درساً إلزامياً.
د - نسبة حفاظ القرآن الكريم في تركيا - خاصة في بعض مدنها مثل مدينة «قونيا» - تُعدُّ من أعلى النِّسب عالمياً.
هـ - العادات والأعراف التركية لا زالت تدل على عشق الأتراك للغة العربية، حتى أنّ أحدهم لو وجد قصاصة من الجريدة مكتوباً عليها بالعربية فإنه يقبّلها ويضعها على جيبه.
6. «منبر الداعيات»: مِن الملاحظ في السنوات الأخيرة اهتمام تركيا، حكومةً وشعباً، بالقضايا الإسلامية وسعيها الدؤوب للتقرّب مِن العرب، رغم العبء الذي قد يشكِّله هذا التقرّب لو نظرنا إليه مِن منظار «سياسة المصالح» التي تنتهجها الدول. فكيف تحلِّلون هذا التوجّه؟
· موقف الشعب التركي حيال القضايا الإسلامية نابع من انتمائه ديناً وثقافةً وتاريخاً إلى هذه الأمة، وقد استقرّ انتماؤه هذا في ضميره ووجدانه مهما بدا للناسِ خلافُ ذلك. أما موقف الحكومة فهو تابع لموقف الشعب لأنها حكومة منتخَبة انتخاباً حقيقياً من قِبَل الشعب.
7. «منبر الداعيات»: نعلم أن معهد أكاديمية إسطنبول أكبر معهد لتعليم اللغة العربية في تركيا، فما هي طموحاتكم بهذا الصدد؟ وكيف تستشرفون ما قد يحققه الاهتمام الجمّ بتعليم لغة القرآن الكريم لجيل الشباب؟
· لا شك أن من أكبر الحواجز التي تقف في وجه تطوير العلاقات العربية - التركية هو حاجز اللغة، وباستطاعتنا تجاوز هذا الحاجز من خلال جعل اللغة العربية من اللغات المنتشرة في تركيا، بل وجعل اللغة التركية من اللغات المتداولة في البلدان العربية من خلال فتح مراكز تعليم للغة التركية. إن إنجازاً مثل هذا يُسهم حقاً في تطوير العلاقات بين الشعوب العربية والشعب التركي. ولا شك كذلك أن في تعليم اللغة العربية للأتراك قُرْباً منهم إلى القرآن الكريم، وتجاوزاً لعيوب الترجمة للنصوص الدينية التي قد تُسفر عن أَفهام مغلوطة للمسائل الدينية، وقد تجعل الناس يسيرون وراء رؤوس لا تفهم المعاني المقصودة في القرآن الكريم.
8. «منبر الداعيات»: هل هناك اهتمام في تركيا بجيل الناشئة لتعليمهم اللغة العربية وبثّ الروح والمبادئ الإسلامية فيهم؟ وما نسبة إقبال الشباب في تركيا على الالتزام بالتعاليم الإسلامية ونبذ مظاهر العلمنة المستحكِمة في المجتمع التركي؟
· بالطبع نعم، فكما ذكرتُ آنفاً، هناك مدارس شرعية في تركيا عددها 457، تدعى «مدارس الأئمة والخطباء» وقد قمنا في أكاديميتنا بتقديم مشاريع متعددة لخدمة هذه المدارس، فنحن الآن نعقد فيها دروساً لأساتذة العربية. ولدينا حالياً مشروع تزويد كل مدرسة من تلك المدارس بمكتبة تحتوي على 500 قصة عربية مصنفة حسب مستويات اللغة، وقد بدأنا فعلياً بتجهيز أول عشر مدارس، حتى يتعلم النشءُ التركي اللغة العربية. وكذلك قمنا بتنظيم مسابقة في اللغة العربية لجميع المدارس الشرعية، وسوف يُقام بإذن الله في نهايات شهر مايو القادم حفل مهيب لتكريم المدارس الفائزة في المسابقة قد يحضره رئيس الوزراء نفسه أو ممثله. وسوف نكرّم طلبة المدرسة الفائزة بجوائز عينية بالإضافة إلى إرسالهم إلى بلد عربي ليتعلموا اللغة العربية في إحدى مؤسسات اللغة العربية في العالم العربي، ونحن مستعدون لقَبول عروض الرعاية كافة لاستضافة هؤلاء الطلبة لمدة شهرين.
9. «منبر الداعيات»: كلمة أخيرة توجهونها للطلاب والطالبات العرب.
أدعو الطلاب والطالبات العرب إلى التعرف على نظرائهم من تركيا، وأدعوهم كذلك إلى التفكير بمتابعة دراستهم في تركيا بدلاً من السعي إلى متابعة الدراسة في أوروبا، علماً بأن في تركيا حالياً جامعات تحظى باعتبار كبيرٍ على المستوى العالمي، وقد دخلت في قائمة أفضل 500 جامعة على المستوى العالمي. كما أدعو طلبتنا جميعاً إلى العمل الدؤوب والاجتهاد والمثابرة، أدعوهم إلى أن يَنْصَبُوا على عمل جديد كلّما فرغوا من واحد، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: (فإذا فرغتَ فانصَبْ)، فلا يصرفوا ولو جزءً من وقتهم في غير فائدة. وأسأل الله تبارك وتعالى لجميع أبناء الأمة مستقبلاً واعداً وحياة طيبة سعيدة. وأودُّ في النهاية أن أجدِّد شكري لمجلتكم الكريمة التي أتاحت لي فرصة التواصل مع أهلنا وأحبابنا في البلدان العربية، واقبلوا مني فائق الاحترام وبالغ التقدير.
* * *
ونحن بدورنا نشكر د. إبراهيم الحلالشة على هذا الحوار الطيِّب، ونثمِّن جهوده المباركة في الاهتمام بلغة القرآن، وفي السعي لتكريس سبل التعارف والتعاون بين المسلمين على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم. وندعو الطلاب والطالبات للاهتمام بمشروع المؤاخاة عبر المبادرة بإرسال رسائل للتعارف على البريد المذكور في هذا الحوار.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة