رمضان في عيون المغتربين
كتب بواسطة منال المغربي - منبر الداعيات
التاريخ:
فى : تحقيقات
1399 مشاهدة
رمضان في عيون المغتربين
لرمضان خصوصية نلاحظها في أسلوب حياتنا التي يختلف إيقاعها في هذا الشهر الكريم... فما بين تزيين الشوارع ترحيباً بمَقدم هذا الشهر الكريم، إلى صوت المِدفع يُضرب معلناً موعد الإفطار، مروراً باجتماع الناس في المساجد لأداء صلاة التراويح، أو حضور موائد الإفطار الجماعية، إلى حركة الأسواق بما فيها من باعة وبضاعة ومتسوقين مروراً بالحرص على صلة الأرحام، إلى صوت الأذان يرافقنا أينما سرنا والكثير الكثير من المظاهر الرمضانية في بلداننا التي تجعلنا نُحيي شعائر الدين بفرح واستبشار... كل يجعلنا نتساءل: تُرى كيف هي أجواء شهر رمضان عند المغتربين المُفعمين بغربة الدين والعادات والتقاليد، الذين يعيشون بعيداً عن الأهل والأصحاب ومراتع الصبا والشباب؟ كيف يواجهون معركة ذوبان الهوية وكيف يحافظون على أصولهم وعاداتهم الإسلامية في هذا الشهر الكريم؟
- سلوى عمر: فلسطينية مقيمة في كوبنهاغن عاصمة الدانمارك منذ ما يزيد عن 18 عاماً، ولها من الأولاد أربعة...
- دلال المغربي: فلسطينية تعيش في هلنسبورغ في السويد منذ أكثر من 14 عاماً، وهي أم لثمانية أطفال ومشرفة على منتديات «قمر يافا»...
لا نشعر بأجواء رمضان
سلوى ودلال بثّتا في هذا التقرير ما يدور في أنفسهما من أشواق وحنين، ورسمتا لنا بالكلمات صورة عن شهر رمضان في تلك البلاد الإسكندنافية...
تقول دلال المغربي: في هذه البلاد لا توجد مظاهر احتفالية تنبىء عن قدوم هذا الشهر الفضيل كتلك التي نلحظها في البلاد الإسلامية من الزينة وغيرها، حيث يكتفي التلفزيون السويدي الرسمي (sv1) أو (القناة الثانية) بالإضافة إلى الجرايد والصحف الرسمية مثل: جريدة (مترو) و(هلنسبورغ سيتي) بإعلان موعد قدوم هذا الشهر الكريم كما تنص عليه المملكة العربية السعودية... وأحياناً يحدث اختلاف بين المسلمين فلا يتفقون على موعد الصوم وكذا الفِطر... كلٌ يتبع البلد الذي ينتمي إليه..
والجدير ذكره أن فترة الصوم في هذه البلاد قد تكون طويلة جداً أحياناً؛ إذ تصل في الصيف إلى أكثر من 21 ساعة يومياً، فيعمد البعض للعودة إلى بلدانهم لقضاء رمضان هناك تخفيفاً من مشقة الصيام... ولكن رمضان هذا العام يومه معتدل.
اهتمامات النساء هناك
أما عن أبرز اهتمامات المرأة المسلمة في شهر رمضان فبيّنت سلوى عمر؛ أن بعض النساء يكون همّهن الطبخ فتقضي جُلّ وقتها في المطبخ ومتابعة المسلسلات، وشرب النارجيلة بعد الإفطار أو الخروج للتسكع. والبعض الآخر يقمن بواجب بيتهن ولا ينسَيْن القيام بواجباتهن الدينية من صلاة التروايح وقيام الليل وختم القرآن ولو لمرة. والقليل منهن من تقول: لن يسبقني إلى الله أحد فيكون همّها الأكبر المحافظة على الصلوات في أوقاتها وصلاة التروايح والتهجّد والمسارعة في ختم القرآن أكثر من مرة وإعانة أولادها على الطاعات وعدم الخروج إلى الأسواق.
الأطفال في المدارس
واستعرضت دلال المغربي حال الأطفال في المدارس السويدية؛ فالمعروف أنّهم يتناولون طعام الغداء في مدارسهم، لذلك في السابق كان الأهل ينسّقون مع إدارة المدرسة من أجل مراعاة صيام الأولاد والامتناع عن تقديم الطعام لهم، وحالياً أصبح السويديون على علم بعباداتنا وخصوصاً في ظلّ وجود تجمّع كبير من أولاد المسلمين في المدرسة نفسها وأحياناً قد تحصل بعض المشكلات البسيطة بسبب صيام الأطفال إذ يظنون أننا نجبرهم على ذلك فيتهمون الأهل بالأنانية وعدم التعاطف مع أبنائهم وبناتهم، وهذا ما حصل معي شخصياً؛ فلقد عمدت إحدى المعلمات إلى تفطير ابنتي بالقوة بحُجّة أنها صغيرة على الصيام فتقدمتُ بشكوى ضدها. ولكن، ولله الحمد أصبحت هذه المشكلات نادرة الحدوث. ومن الإيجابيات أن بعض المدارس تُراعي عدم اختلاط الأولاد الصائمين مع غيرهم أثناء حصة الطعام، ولا يرهقونهم بالأعمال التي تتطلب مجهوداً بدنياً رأفة بهم. وأضافت سلوى عمر: ولكون بعض الأجيال ولدت في تلك البلاد ولم تعش مظاهر رمضان وأجواءه في البلدان الإسلامية، يواجه المغتربون مشكلة في ربط الجيل الصاعد بهذا الشهر الكريم، لذلك يحرص بعض الأهل في الدنمارك على تعزيز ارتباطهم بالمسجد أو بإحدى الجمعيات الإسلامية طيلة الشهر، ويحرصون على تعليم أولادهم معاني هذا الشهر الروحية وفضائله، لكن هذا الصنف من الناس قليل جداً؛ أما الأغلبية وإن كانوا يحرصون على صيام أبنائهم - بحكم العادة - إلا أن مهمتهم تقتصر عند هذا الحدّ؛ فكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟!
دور الجمعيات الإسلامية
وتكمل سلوى عمر قائلة: أما الجمعيات الإسلامية في الدنمارك فتقوم بطباعة الإمساكيات واستضافة شيوخ من مصر ليؤموا المصلين في صلاة التراويح، بالإضافة إلى إقامة حلقات العلم طوال هذا الشهر الكريم. كما أن المساجد تقيم إفطارات عدّة لعابري السبيل، ولعلّ ما يحزن القلب ندرة وجود الشباب في صلاة التراويح. وهناك سؤال يطرحه دائماً أئمة المساجد: أين المصلون من الشباب؟ إذ أغلبهم كبار السن! أما ما يُبهج ويُفرح النفس فمشهد الناس وهم ذاهبون إلى صلاة التراويح يمشون في الطريق نفسه وكأننا في الحج أو العمرة حيث يجتمعون بعد ذلك في المسجد (وهو أقرب إلى المصلى، وليس مثل المساجد الموجودة في البلاد الإسلامية) لأداء صلاة التراويح، وهذا المشهد يبدو جلياً في التجمّعات السكنية التي يغلب عليها وجود المسلمين، والمنظر هذا لا نراه كثيراً في بلداننا حيث لا نستطيع أن نميّز بين من هو ذاهب لأداء هذه السُنّة أو من هو ذاهب للتنزه والزيارات.
الأسواق العربية
وتضيف دلال المغربي: أغلب المسلمين حملوا عاداتهم وتقاليدهم في الغذاء إلى تلك البلاد؛ فالأسواق العربية وحتى المراكز التجارية السويدية يتوفر فيها كل ما تعوّد عليه الصائم في بلاده من التمور إلى الحلويات العربية إلى البهارات والسوس والجلاب والتمر الهندي وغيرها، والمضحك أنه ما إن يبدأ شهر رمضان حتى ترتفع أسعار تلك المواد فقط في الأسواق العربية.. كما أن مائدة رمضان هي نفسها في أغلب البيوت حيث تتكون من أصناف أَلِفناها على موائدنا منذ الصغر كالفتوش والشوربا.
... وفي العيد
وحدثتنا سلوى عمر عن أجواء عيد الفطر في الدنمارك، فمن أجل إحياء مظاهره تُستأجر قاعة كبيرة تقام فيها صلاة العيد ويتم تجهيزها بالألعاب حــــــتــــى تصبح مدينة ملاهٍ مصغّرة. كما تمنح المدارس التي يوجد فيها نسبة كبيرة من المسلمين يوم عطلة للأطفال أو يومين. وفي العيد يحرص الكثير من المسلمين على شراء الملابس الجديدة وعلى صلة الأرحام والتزاور. وأضافت دلال المغربي: الدولة أحياناً تقيم سيركاً من أجل تسلية الأطفال، وأحياناً تخصص مدينة الملاهي يوماً من أيام العيد بأسعار مخفضة للمسلمين. ولكن ما زال هناك تقصير من المسلمين أنفسهم في الاهتمام بهذا الجانب في مقابل اهتمام جمعيات أخرى بإقامة نشاطات ترفيهية للأطفال، ومما يؤسَف له أن البعض يستقدم فنانين وفنانات لإحياء الحفلات بمناسبة عيد الفطر.
وأضافت كل من دلال وسلوى: أشدّ ما نفتقده هنا صوت الأذان وسماع مدفع رمضان وصوت المسحراتي وتمضية شهر رمضان مع الأهل والأحباب، ولكن ما يخفف من وطأة هذا الشعور قليلاً مشهد المسلمين الجدد: النساء المحجبات والمنقبات فضلاً عن الرجال وهم في ثياب السُّنة يشاركوننا صيام هذا الشهر الكريم؛ فهذا المشهد يجعل اللسان يلهج بحمد الله عزّ وجل.
إن التحديات الكبرى التي نعيشها في البلاد الإسكندنافية أثناء ممارستنا لشعائرنا الإسلامية تجعلنا نقدّر نعمة الإسلام ونستشعر جماليات شعائره التي لم نشعر بقيمتها إلا في هذا البلد حينما فقدناها... نسأل الله تعالى بما بشّر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنْ لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام.. يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، أما الذين يعزهم الله فيجعلهم من أهلها وأما الذين يذلهم الله فيدينون لها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن