الفايس بوك.. والوجه الآخر
كتب بواسطة خاص: منبر الداعيات
التاريخ:
فى : تحقيقات
1432 مشاهدة
الفايس بوك، الذي يُطلق البعض عليه اسم «دولة الفايس بوك الإلكترونية» نظراً لضخامة عدد المشتركين فيه، أصبح حقيقة واقعة، وجزءً لا يتجزأ من ثقافة الشباب المسلم، والدليل نجاحه في اجتذاب الكثير منهم؛ فلقد ذكرت شركة «سبوت أون بابليك ريلَيْشِنز SpotonPublicRelations» في دبي أن عدد مستخدمي موقع «فايس بوك» ارتفع منذ آذار العام الماضي - خاصة بعدما أضيفت إليه اللغة العربية - إلى 15 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبيّنت الإحصائية أن 37 ٪ من مستخدمي الموقع من النساء، ما عدا البحرين ولبنان حيث تتقارب أعداد النساء والرجال. أما مستخدمو الموقع الشبان فأغلبيتهم من المغرب وفلسطين والأردن ولبنان وتونس واليمن، 50 ٪ منهم دون سنّ الـ25.
في هذا التحقيق نسلّط الضوء على العديد من القصص والمواقف التي كان الفايس بوك مسرحاً لها، كما نستضيف كلاً من الشيخ يحيى كريدية من لبنان (مدير تحرير موقع جمعية الاتحاد الإسلامي)، والشيخ محمد أحمد الأوصابي من السعودية (داعية ومستشار) ليقدّما نصائح وإرشادات تتعلق باستخدام هذه التِّقانة.
عالم الفايس بوك... قصص ومواقف
· الفايس بوك والتواصل الاجتماعي:
بالنسبة لـ منال هلال (خريجة كلية العلوم في جامعة بيروت العربية): الفايس بوك متنفسها الوحيد كونها مقيمة في السعودية؛ فهو وسيلة اتصال مباشر، ويعرِّفها بآخر أخبار صديقاتها، ويسهّل لها تواصلها معهن، وتضيف: «هو أكثر من ضروري بالنسبة إليّ»!! وأضافت ياسمين حجازي (طالبة في معهد كمبيوتر): «من أبرز القصص التي سمعتُ بها عن الفايس بوك حدثت فصولها مع قريبتي التي لديها أخ من أم أخرى يعيش في إيطاليا؛ فالفايس بوك ساعدهما كثيراً ليتعرفا على بعضهما أكثر فأكثر».
· الفايس بوك.. والدعوة إلى الله:
يعرض أحمد دوغان (مهندس اتصالات وإلكترونيات) تجربته في هذا المجال فيقول: «اشتركتُ مع مجموعات كثيرة تُعنى بالأمور الدينية وانتهى بي المطاف إلى التحدث مع شخص من سكّان بريطانية، واستمر التواصل بيننا عبر الفايس بوك لأشهر طويلة أوصلتُ إليه خلالها كل ما لديّ من معلومات، وبفضل الله تكرر التواصل بعد أشهر من الانقطاع لينبئني أنه أسلم وليشكرني على ما قدّمت له من مساعدة».
· الخاطبة الإلكترونية:
العروس المخطوبة لبنانية والعروس الخاطب أردني والفضل للخاطبة الإلكترونية - الفايس بوك - الذي جمعهما معاً... هكذا تروي آمال (خريجة كلية العلوم في الجامعة اللبنانية) تجربتها مع الفايس بوك.. البداية كانت بطلب إضافة، بعدها تمّ التعرّف على بعضهما البعض من خلال الصور الموجودة في بروفيل كل منهما، ثم من خلال كتابة التعليقات والردّ عليها، وتطوّر الأمر إلى المحادثة الكتابية التي أكّدت على وجود توافق فكري وعاطفي، ثم المحادثة بالصوت والصورة، وتُوجت العلاقة أخيراً بالزواج.
· شباب الإيموز.. على الفايس بوك:
أم فؤاد (ربة منزل وأم لأربعة أولاد) تقول: من فترة لاحظت تغيُّراً في طريقة لباس ابني الأكبر؛ حيث غلب على ثيابه اللون الأسود، وحتى ابنتي الصغرى أصبح عندها ميل لارتداء الملابس السوداء ووضع مستحضرات تجميلية بهذا اللون، وبالصدفة اكتشفت أن أولادي لهم تواصل مع بعض الأشخاص من جماعة الإيموز التي يملك أفرادها صفحات على الفايس بوك. أما علي (طالب في الصف الثالث المتوسط) الذي لا يتجاوز عمره 13 سنة فيؤكّد أنه يتلقى دعوات عديدة من هذه المجموعة تشجعه على الانخراط في صفوفها.
· تواصل فكري:
يقول أحمد دوغان: أعطاني الفايس بوك منبراً، فأصبحتُ قادراً على بث أفكاري عبره إلى من كان يُتعذّر إيصال الرسالة إليه سابقاً.. ولكن إلى أين تؤدي حرية التعبير عند البعض حين تصبح غير منضبطة؟ الحادثة التي بين أيدينا تؤكِّد أنها تقود إلى السجن؛ فلقد أوقف القضاء اللبناني في حزيران الماضي ثلاثة أشخاص على خلفية قيامهم بذم وتحقير رئيس الجمهورية على موقع الفايس بوك الإلكتروني.
· انعدام الخصوصية:
ورغم وَلَع منال هلال بهذه التقانة إلا أن انعدام الخصوصية أمر لا يعجبها فيها. ويضيف أحمد دوغان قائلاً: تمت سرقة حساب الفايس بوك الخاص ببعض الأشخاص الذين أعرفهم، وبعد ذلك تم نشر صورهم على الإنترنت، وكان بعضها فاضحاً جداً.
وذكرت نور (طالبة مختبر في الجامعة الأميركية) قصة أخرى عن صديقة لها قام أحد الشبان بأخذ صورتها الموجودة على صفحتها الشخصية وتركيبها على صورة أخرى مما أدى إلى الكثير من المشاكل.
وفي قضية هي الأولى من نوعها في لبنان نشرت وقائعها إحدى المجلات، أقدمت القوى الأمنية على توقيف أربعة طلاب يتابعون دراستهم في الجامعة اليسوعية فرع زحلة. وفي تفاصيل الحادثة، تقدّمت إحدى الطالبات بشكوى قضائية ضد أربعة من زملائها في الجامعة بعد أن اطلعت على مضمون مجموعة أنشؤوها على الفايس بوك. وتضمنت - على حد قولها - أوصافاً وكلاماً مشيناً بحقِّها وصوراً أُخذت لها من دون علمها، رأت فيها «ما يشمئز منه أي إنسان، وما يمس الشرف».
· تمييز فايسبوكي:
تقول علا عبلا (طالبة تجارة في كلية الإمام الأوزاعي): إن أبرز الأمور التي لا تعجبني في الفايس بوك هو التمييز الذي يعتمده القائمون عليه؛ حيث تُغلق أو تُحجب بعض الصفحات الإسلامية وخصوصاً تلك التي تختص بنُصرة الرسول صلى الله عليه وسلم بينما تُثبَت الصفحات المسيئة وغير الأخلاقية.
· مخالفات شرعية:
يقول أحمد دوغان: هناك تطبيقات داخل الفايس بوك غير جائزة شرعاً وهي منتشرة بكثرة، وأبرز مثال على ذلك: التطبيقات المتعلقة بالأبراج والتنبؤ بالمستقبل التي تفشت بين المسلمين. تضيف علا: لا يعجبني أن تضع الفتيات صوراً لهن على حسابهن فَيُمكّنّ أي شخص من رؤيتها، وأضاف يوسف المغربي (طالب جامعي): لا يعجبني في الفايس بوك التطاول على الدين الإسلامي ودعوة البعض للإلحاد علانية، وقيام البعض الآخر بالتحرش بالفتيات، وعلّق يوسف هنداوي على الموضوع قائلاً: ما لا يعجبني في الفايس بوك هو التعرّض للقرآن الكريم وللإسلام ولسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك مِنَ المشتركين في الفايس بوك - للأسف - مَنْ يتكلم مع الناس على أنه «الله» والعياذ بالله، فضلاً عن سهولة الوقوع بالمعاصي.
الفايس بوك... ما له وما عليه
يقول الشيخ يحيى كريدية: «لا شك أن إمكانية استخدام الفايس بوك في مجال الدعوة إلى الله كبيرة، وذلك عن طريق تأسيس المجموعات الدعوية التفاعلية ونشر أحكام ومبادئ الإسلام، وكذلك التواصل مع الباحثين عن الحق وإرشادهم وتوجيههم وإمدادهم بالمعلومات والملفات التي يحتاجونها في مسيرة الوصول إلى هدفهم؛ أما الناحية السلبية فهي كثرة انتشار الانحرافات العقدية والفكرية والمفاسد الأخلاقية وانسياق الكثيرين من أبناء وبنات المسلمين مع هذه الموجة الجارفة، إما بحجة الفضول وحب الاطِّلاع وإما بسبب ضَعف التربية الإيمانية وتزيين الشيطان لهذه المَفْسدة. ومن السلبيات المؤذية: الإدمان على الفايس بوك وإضاعة الأوقات بغير فائدة».
أما الشيخ محمد أحمد الأوصابي فأكّد على أن: «أيّ تقنية تتضمن إيجابيات مبشِّرة وسلبيات منفرة، وهذا هو الحال مع الفايس بوك الذي من إيجابياته سهولة التواصل وسرعة وصول الموضوع المراد إيصاله إلى أكبر عدد ممكن بوقت يسير، أما عن سلبياته فحدِّثوا ولا حرج، خصوصاً تلك التي تصدر عن أولئك الذين يحبوّن أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا».
فايس بوك إسلامي
بعد الغضب العارم الذي سببته مسابقة أطلقها أحد مستخدمي «فيس بوك» الغربيين تشجع على رسم صور تمثِّل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، قام ستة من العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات في لاهور - باكستان - بإطلاق موقع «مللت فايس بوك. كوم».
أما في مصر فقد أطلقت جماعة «الإخوان المسلمون» المصرية «إخوان بوك»، وهو موقع اجتماعي على غرار موقع «فايس بوك» الشهير، ولكنه لا يزال في طور تكوين قاعدة مستخدميه.
توجهنا بالسؤال للشيخ يحيى كريدية لمعرفة رأيه بمثل هذه المحاولات فكان ردّه: «هذه محاولات محمودة ومشكورة تقلِّل من الكثير من المفاسد، إلا أنها لا تخلو من المحاذير والأخطار نفسها القائمة على موقع الفايس بوك، لذلك ينبغي التعاطي معها بنفس الحذر والضوابط الشرعية». وأثنى الشيخ محمد أحمد الأوصابي على هذه المحاولات التي تهدف إلى تطويع الفايس بوك قائلاً: «من سعى إلى خير وسَنّ سُنة حسَنَة فله أجرها وأجر من عَمِل بها إلى يوم القيامة».
مواهب الشباب
حين ننظر إلى سيرة حياة أصغر ملياردير صنع ثروته بنفسه وهو مؤسس موقع الفايس بوك اليهودي الشاب مارك زوكربيرج الذي أنشأ هذا الموقع عندما كان طالباً في جامعة هارفارد الأمريكية، يدفعنا هذا الأمر إلى طرح السؤال الآتي: هل ستُظهر لنا الأيام القادمة نماذج لشباب مسلمين مخترعين ومبتكرين يكون لهم قدم السبق؟
يقول الشيخ محمد أحمد الأوصابي: «من المحزن المؤسف أن يعطّل - إن لم نقُل «يقتل» - كثير من شبابنا وفتياتنا المواهب والأفكار الإيجابية التي يحملونها، وذلك بسبب تضييع أوقاتهم فيما لا يفيد؛ فتراهم يسارعون في تقليد ما لا فائدة منه لأنفسهم فضلاً عن دينهم وعقيدتهم. ومع ذلك هناك ثلة من شباب وفتيات هذه الأمة ما زالوا ينتجون ويجتهدون، وستظهر شمسهم في سماء الإسلام والمسلمين إن شاء الله».
مخابرات الفايس بوك
تقول سهى الشبلي (مدرِّسة لمادة الكيمياء): «سمعت كثيراً بأن الفايس بوك منظمة يهودية.. للاطلاع على المعلومات»، يؤكد هذه الحقيقة الكاتب المصري جمال المختار في كتابه (حقيقة الفايس بوك.. عدو أو صديق؟). وبغضِّ النظر عن صحة هذا الكلام ومدى دقته، ما هي محاذير استخدام الفايس بوك؟
يجيب الشيخ يحيى كريدية: «لم يعد يخفى أن الفايس بوك أصبح مرتعاً أساسياً لأجهزة الاستخبارات العالمية وعلى رأسها الموساد، بل تم كشف الكثير من محاولات تجنيد عملاء في فلسطين عن طريق الفايس بوك، وكذلك تستفيد منه هذه الجهات بجمع المعلومات المتعلقة بالحالات النفسية والأخلاقية والإيمانية للشباب المسلم في المناطق كافة، فالمشترك يتطوع - للأسف - بكثير من المعلومات الشخصية عن نفسه ومحيطه وعمله وربما دعوته أن يتلقفه الأعداء بأسهل الطرق وأيسرها وأسرعها. لذلك ينبغي الحذر الشديد من هذا الجانب وعدم نشر المعلومات الشخصية أو أي أخبار تفيد العدوّ ولو بمعلومة جزئية، وكذلك تجنب التواصل مع أشخاص لا يعرفهم أو إضافتهم، وقطع أي تواصل في حال الريبة والشك».
الضوابط الشرعية
وحول حكم الشرع في تواصل الشباب والشابات عبر هذه الوسيلة وغيرها، وعن الضوابط التي تضبط أساليب التعاطي مع هذه الوسيلة يقول الشيخ محمد أحمد الأوصابي: «الذي يرى حال غالب شباب الأمة من ناحية استخدامهم التقنيات الإلكترونية يجد أن هَمَّ أكثرهم إشباعُ رغباتهم، ويبقى الضابط الوحيد الذي يناسب الجميع هو تقوى الله ومراقبته في السر والعلن».
ويضيف الشيخ يحيى كريدية: «لقد فتحت هذه الوسائل باباً من الشرّ عريضاً فيما يتعلق بتواصل الشباب والشابّات، ونسمع من المآسي الواقعة بسببها ما يُحزن كل غيور، فلقد ساهمت بتفسخ وخراب كثير من الأُسر والبيوت المسلمة، كما أوجدت موجة عارمة من «الفساد الصامت» بين جيل الشباب والبنات، لكل ذلك ينصح أهل العلم والخبرة والعقلاء بالحذر الشديد من استخدام هذه الوسائل، وتفعيل دور الأهل في المراقبة والتوجيه، بعد غرس المعاني الإيمانية في نفوس الأبناء والبنات منذ المراحل المبكرة في التعاطي مع هذه الوسائل».
انعكاسات الفايس بوك.. نفسياً وأخلاقياً وفكرياً
توقف الشيخ يحيى كريدية في نهاية التحقيق عند انعكاسات الفايس بوك السلبية والإيجابية على المشتركين به نفسياً وأخلاقياً وفكرياً فقال: «الإنترنت - ومنه الفايس بوك - عالمٌ افتراضي يختلف كثيراً عن الحياة الواقعية ومتطلَّباتها، وقد يتسبّب في كثير من الحالات باختلاط العالَمَيْن مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية وقصور في مواكبة احتياجات الحياة الواقعية، كما قد يتحول المُكثر أو المدمن على التعاطي مع الإنترنت إلى أسير لهذا العالم الوهمي مما ينعكس سلباً على الحركة الإنسانية والاجتماعية لهذا الشخص. وكذلك لا يخفى ما يمكن أن يسببه الإنترنت عامةً والفايس بوك خاصةً من انحلال خُلُقي وانحراف فكري لمن يسيء استخدامه».
* * *
وبعد، فلا شك أنّ عصرنا يُعتبر من أزهى عصور التكنولوجيا التي جعلت العالم قرية صغيرة.. وكما هو معلوم فإن كل جديد ومتطور يُعتبر سيفاً ذا حدين، لذا يبقى السؤال: حينما استخدمنا الفايس بوك هل نجحنا في تسخيرها لخدمتنا بما يُرضي الله تعالى فكانت لنا عوناً في ديننا ودنيانا؟ أم أعطيناها الفرصة لاستخدامنا فلم نجنِ سوى الآثار السلبية على أنفسنا ومجتمعنا؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن