حاضر ومستقبل الثورات... حوار مع نخبة من المفكِّرين
لعله لم يَدُر بخَلَد الحكام العرب سواء المخلوعون منهم أو المنتظِرون، أن يومهم هذا لا بد آت وفق القانون الرباني: (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ومع كونهم حفظوا عن ظهر قلب: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، غير أنهم ظنوا في غَيْبة العقل أن تلك السُّنة لن تسري عليهم... ولكنه عدل الله وقانونه النافذ في الأرض، الذي ابتعث جيلاً نظر ملياً في واقع آبائه وأجداده فتعلم الدرس جيداً، ولم ينتظر قائداً يهبط من فوق... فحرك بانتفاضته ضد الأنظمة الماء الراكد الآسن وصنع ثورته التي تعلق عليها الأمة آمال الانبعاث الجديد... فما هي مقومات هذا الجيل؟ وما مواصفات الجماعة الجديرة بقيادته؟ وما دور الحركات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة؟ وما الدروس التي ينبغي أن تستفيدها مما حدث؟ وهل بدأت إرهاصات عودة الحكم الإسلامي مع بداية الثورة؟ وغيرها من الأسئلة التي سيجيب عنها هذا التحقيق بإذن الله.
في هذه الصفحات نستضيف من النساء: الأديبة الكاتبة د. ديمة طهبوب، من عمّان.
ومن الدعاة والمفكرين الإسلاميين:
* الكاتب والمفكر الإسلامي د. غازي التوبة، من فلسطين.
*الداعية المربي المهندس محمد عادل فارس، من سوريّا.
*الداعية الكابتن د. محمد موسى الشريف، من جُدّة.
* الكاتب السياسي د. حاكم المطيري، من الكويت.
ماذا سيكتب التاريخ؟
تاريخ جديد يُدوَّن، هذه المرة بترتيب مختلف للحروف؛ فما أهم وأبرز ما سيسجله تاريخنا الحديث؟
- حــــمـــلـــنا سؤالــنا هذا متوجِّهين للدكتور محمد موسى الشريف الذي علّق قائلاً: أهم وأبرز ما سيسجله التاريخ الحديث هو أن العرب أدركوا حقوقهم وقاموا ليطالبوا بها، وأرهقتهم المظالم فقاموا ليرفعوها عن كاهلهم، وهذه سُنة الله تعالى في الأرض؛ فالظلم لا يدوم، والغفلة لا تستمر، والأيام دُوَل.
هذا الجيل وقيادته
رداً على سؤال حول مقومات هذا الجيل يقول الأستاذ محمد عادل فارس: هذا الجيل يحمل إيجابياتٍ ساعدته على النهوض، وسلبيات نرجو أن يعافى منها. أهم إيجابياته اثنتان: قدرته على التواصل واستغلال الوسائل الإلكترونية إلى أبعد الحدود، وشعوره بالقهر والظلم والفساد الذي يحيط به!
- وترى د. ديمة طهبوب أن هذا الجيل الشاب الذي يقود الثورة ربما يتوفر له ما لم يتوفر لآبائه وأجداده من الهمة والفعالية وحُسن استغلال وسائل الاتصال، كما أنهم لم يشهدوا الهزائم العربية التي شهدها الجيل السابق، ولم يصل إلى درجة اليأس أو الاستسلام للأمر الواقع الذي مارسه مَن قبلهم؛ إنما هم مسلحون ومؤمنون بمبادىء الحرية وحقوق الإنسان، ولهم مشاريعهم الفعالة في خدمة وتوعية المجتمع، ولكن أمامهم تحدٍّ كبير بعد إنجاز المرحلة الأولى وهي مرحلة الإصلاح والبناء، وهي الأصعب؛ فالثورة لن تَسلَم من فُلول الأنظمة السابقة ومن تربُّص الخارج؛ فرصّ الصفوف والالتقاء على المبادىء والانشغال بالعمل يجب أن يكون أهم أولوياتهم حتى يفوِّتوا الفرصة على المتربِّصين.
- أما عن مواصفات الجماعة التي تستطيع قيادة الجماهير الشابّة اليوم، فيعتقد د. غازي التوبة أن الجماعة التي تستطيع قيادة الجماهير الشابة يجب أن تملك:
1. منهجية صحيحة تتضمن عرض فهمها للإسلام وعقائده وأحكامه السياسية والاجتماعية والاقتصادية... وفهمها لواقع الأمة وأمراضها وإيجابياتها وسلبياتها... وفهمها للغرب وحضارته وعلومه وأزماته... وأن ترسم خطتها لبناء عقل الفرد المسلم وقلبه وسلوكه... وأن تبيّن خطتها لمعالجة الواقع الإسلامي وكيفية تحقيق أهداف الأمة الإسلامية...
2. وقيادة ذات مواصفات خاصة، منها: أن تكون ربانية، صادقة، غيورة على الإسلام، مضحية لأجله... ذات علم شرعي واسع وعميق، وأن يكون بعضهم قد بلغ مرتبة الاجتهاد، وأبدع وأضاف شيئاً في مجال العلوم الإسلامية، وأن تكون عالمة بالحضارة الغربية، مرتبطة بالأمة وهمومها وقضاياها.
ويرى أن أبرز ما ينبغي للحركات الإسلامية تعلمه من الثورة: مواكبة تكنولوجيا العصر من إنترنت وفيديو وهاتف إلخ... والاستفادة منها في التواصل مع جمهور الناس، وتتعلم - أيضاً - بأن الطواغيت أضعف مما يتصور بعض العاملين في المجالات العامة، وأن النجاح في إزالتهم يحتاج إلى المبادرة كما حدث في تونس ومصر.
- في حين يضيف الأستاذ محمد عادل فارس شروطاً أخرى بقوله: أهم مواصفات الجماعة التي يمكن أن تقود الشباب أن تكون معتدلة في طروحاتها، لا تتبنى الآراء الشاذة أو المتطرفة، وتتسامح مع المخالِف لها، وتؤكد على نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة، وتتغاضى عن نقاط الافتراق.
ويرى أن على الحركات الإسلامية أن تُعنى بالشباب، وتقدّر دورهم، وتدرِّبهم، وترشّدهم، وأن تعرف حقيقة الدين الذي تدعو إليه، وأن تعلم أنّ نُصْرة الدين تتطلب الدعوة بالمعروف والصبر والمصابرة، والجهاد، والثبات على المبدأ... كما تتطلب فَهم الآخر وحُسن التعامل معه بمرونة وكياسة (في استخدام الوسائل) من غير مساومة على العقائد والثوابت.
هل صَحا الشعب فجأة؟
الشعب يريد إسقاط النظام... الشعب يريد إسقاط الرئيس... الشعب يريد تحرير فلسطين... "الشعب يريد" شعاراتٌ رفعها جمهور الثورات: فهل ظهرت إرادة الشعب فجأة؟ وأين كانت من قبل؟ وكيف يمكن استثمارها؟
- تقول د. ديمة طهبوب: إن عملية الإصلاح لا تقوم فجأة بل تحتاج إلى مخاض طويل وظروف مواتية لتنطلق شرارتها، وعادة ما يكون الظلم والفقر هما المحرّكين لثورة الشعوب. شعوبنا العربية لها تاريخ عريق في الثورات والإصلاح، غير أنّ تطاوُلَ الحكام عليها ومساندة الأنظمة الغربية لهم والحكومات الأمنية التي أرعبت الشعوب هي السبب وراء طول سكوتهم ورضوخهم، كما أن الشعوب غرقت في دوامة الحياة والمعيشة والبحث ليس فقط عن لقمة العيش وإنما في أحيان كثيرة عن الكماليات؛ فكثر الاغتراب والهجرة، وترك الشباب أوطانهم إلى غير رجعة أحياناً، وبقي الضعفاء... وهذه الحالة هي إحدى تجليات حالة الوهن التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن... حب الدنيا".
والثورة تشمل العقلاء وأصحاب البرامج، كما تضم عامة الشعب والمستفيدين ومذبذبي الولاء... التحدي الكبير ليس الثورة بحد ذاتها؛ فهي ليست إلا البداية، التحدي هو الحفاظ عليها والبناء على مكتسباتها حتى لا تنقلب إلى حالة من الفلتان والفوضى، فيترحم الشعب على ما كان في عهد الديكتاتورية والظلم.
إرادة الثورة تحتاج إلى وعي اجتماعي وسياسي، وإلى شعب مستعد للتضحية مهما كان ثمنها قبل وبعد الثورة، والإرادة تحتاج لتوحيد الجهود وتجاوز الخلافات لتحقيق مصلحة الشعب.
الإسلاميون والأيديولوجيات الأخرى
وبما أن الثورة تضم بين جناحيها مختلف أطياف الأيديولوجيات الموجودة على الساحة من ضمنها العقيدة الإسلامية، فما الذي سيُفرزه هذا الخليط؟ والسؤال الأهم: كيف يعمل الإسلاميون مع هذا المزيج الذي جمعته أهداف كثيرة رغم أن منظوماتهم الفكرية فرقتهم عقوداً؟
- يجيبنا عن تساؤلنا هذا د. محمد موسى الشريف قائلاً: على الإسلاميين أن يأخذوا بمنهج الحكمة الذي يقضي بنزع الفتيل وعدم تأجيج العداوات، ثم هذه فرصة لتقريب الاتجاهات الأخرى إلى الاتجاه الإسلامي حيث إنه بالخِلطة تزول كثير من الحواجز ويعرف الناس أجمعون أن هذه الحركات الإسلامية طاهرة نزيهة نظيفة لا تريد شيئاً من حطام الدنيا وإنما تنظر إلى الآخرة.
- ويقول المربي الداعية محمد عادل فارس: العمل المشترك بين أصحاب الأيديولوجيات المختلفة هو من أجل كسر الجليد الذي يجمّد حركة المجتمع كله لمصلحة بقاء الطاغية. فإذا نجح الثائرون وحطموا الجليد فأمامهم بعدئذ إحدى طرق ثلاث:
- الأولى: أن يدخلوا في مرحلة صراعات جديدة (وأرجو أن تكون عبر الجدال بالتي هي أحسن) حتى يُثبت أحدها أنه الأجدر، وأنه صاحب الجذور العميقة في المجتمع فتكون له الكلمة الأولى، ويكون الآخرون مشاركين بعدئذ، كل وفق حصته.
- الثانية: أن يتمكن أحدها من تهميش الآخرين واضطهادهم، فيكون المجتمع قد تحول من حكم طاغية إلى طاغية آخر، ويستمر هذا إلى حين أن تقوم ثورة أخرى.
- الثالثة: أن يتوافق الجميع - كما فعلت معظم الدول الغربية - على أن الأيديولوجيات (والأديان والعقائد المختلفة) تبقى في قلوب أصحابها، ويسعى هؤلاء إلى الدعوة إليها وتجميع الأنصار، في نظام يعترف لجميع الأطياف بحق الاعتقاد والتعبير وتشكيل الأحزاب وإصدار الصحف... ويقبلون جميعاً بالاحتكام إلى مجالس نيابية منتخبة انتخاباً حراً... وتكون الحاكمية للشعب (وليست لله، كما هو في عقيدة المسلم)، ويمارس الجميع "لعبة الديمقراطية" ليحقق كل منهم ما استطاع من مكاسب لحزبه وفكره!
وإن المتوقع من سواد شعوبنا العربية والإسلامية، بما استقر في أعماق قلوبها، وبما ذاقته من ويلات تحت تسلط ألوان شتى من الأنظمة وبما لَحِقَها من هزائم على أيديها، أن تسعى على المدى القريب أن تتوافق على إقامة أنظمة لا يكون فيها غالب أو مغلوب… وأن تصل على المدى المتوسط أو البعيد إلى نظام يتوافق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها: نظام الإسلام الذي ينطلق من الكتاب الذي: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
إرهاصات الحكم الإسلامي
دفـعـت الـثورة الـمـجـتـمع الدولي إلى تحذير الأنظمة والشعوب على حدٍّ سواء من "الفزاعة" الإسلامية خـــشـية من أن يجد الإسلاميون فرصة لإعادة الحكم الإسلامي: فهل تعتقد أن إرهاصات عودة الحكم الإسلامي تلوح في الأفق؟ وهل مخاوف الغرب في محلّها؟
- يقول د. غازي التوبة: إرهاصات عودة الحكم الإسلامي مستمرة، لأن هناك أمة مشكَّلة وهي الأمة الإسلامية؛ فالصعب هو تكوين الأمة، والسهل هو الوصول إلى الدولة، وإن إرهاصات عودة الحكم الإسلامي مستمرة خلال القرن الماضي بعد أن أسقط الغرب الخلافة العثمانية عام 1924 على يد كمال أتاتورك.
والحقيقة إن مخاوف الغرب ليست مرتبطة بعودة الحكم الإسلامي، لكنها مرتبطة بوجود الأمة الإسلامية والكيان الإسلامي، لذلك هو يسعى إلى القضاء على هذه الأمة ومحو هويتها وتغريبها؛ من خلال إضعافها بالتجزيء السياسي والتفتيت الثقافي.
وقفة تحليلية
استوقفنا موقف صدر عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر من خلال بيان* جاء فيه: (لا نتطلع إلى السلطة ولا نريد الرئاسة ولا المناصب... ولكننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل... والدولة التي نتطلع إليها إنما هي دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة), فعرضناه على د. غازي التوبة الذي قال:
- إن إظهار عدم الرغبة في تحقيق أي مصلحة خاصة، أو في تحقيق أي تسلُّط حزبي، وإشعار الآخر بأن الهدف هو الإصلاح، وليكن هذا الإصلاح على يد الآخرين؛ أسلوب جيد في التقرب إلى جمهور الناس، وفي تعويده على ضرورة الاجتماع على الأمور الموضوعية وإبعاد الأمور الذاتية والشخصية. أما عن قولهم: "والدولة التي نتطلع إليها دولة مدنية ديمقراطية"؛ فهذه العبارة تحتوي مصطلحين وهما: دولة مدنية ودولة ديمقراطية، وهما مصطلحان غربيان جاءا نتيجة ظروف تاريخية عاشتها أوروبا في القرون الوسطى والحديثة، وتحتوي بعض مدلولاتهما على مقولات كفرية، فالعبارة الأولى "الدولة المدنية" جاءت رداً على مقولة "الدولة الكنسية" التي كان المقدَّس فيها هو الله والآخرة ورجال الدين، فقامت ثورة على تلك المقولات واعتبرت أنها مقولات مضللة؛ لذلك جاء مصطلح "الدولة المدنية" التي تعتبر أن الله والدين والكنيسة ورجالها لا دخل لهم في أمور الناس والمجتمع والحياة، وأصبح المقدس هو الإنسان والدنيا والجسد واللذة والمتعة إلخ...
أما عبارة "الدولة الديمقراطية" فإن مفهوم الديمقراطية يقوم على أمرين: المضمون والآليات، أما المضمون فيقوم على الحرية المطلقة التي لا حدود لها، وعلى المادية والقطع مع كل ما هو غيبي وغير حِسّي، وعلى الفردية التي تقدِّم على كل ما هو جماعي إن وقع التعارض بينهما، وعلى نسبية الحقيقة التي تُلغي كل ما هو ثابت من أمور ديننا، وتقوم على استهداف المنفعة والمصلحة واللذة، واعتبارها الأصل في الفرد والمجتمع، ويجب تقديم هذه الأمور المستهدفة على أية قيمة أو خُلُق إذا وقع التعارض بينهما...
هذا عن مضمون الديمقراطية وهي - كما نرى - في بعضها مقولاتٌ كفرية تتعارض مع ديننا، أما آلياتها فتتمثل في انتخاب الحاكم ومحاسبته وتداول السلطة وتكوين الأحزاب وإنشاء الصحف إلخ.... فهذه أمور مقبولة ويمكن ربط كل واحدة منها بمصادرها من الأحكام السلطانية وكتب السياسة الشرعية.
وكان يفترض في بيان الإخوان المسلمين أن يوضح ما هو المقبول وما هو المرفوض من مفهومَيْ الديمقراطية والمدنية، لكي يأخذ الخطاب مجرى سليماً.
وقد جاء في العبارة الأخيرة من البيان: "الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة"، وهذا كلام خاطئ لأن الله هو السيد وهو المالك وهو الحَكَم سبحانه وتعالى، والشعب تحت سيادته وحكمه، لكنا يمكن أن نقول: إن الشعب هو الذي يمنح الحاكم شرعيته من خلال اختياره له وانتخابه ورضاه عنه كما حدث مع أبي بكر رضي الله عنه، وكما أصّلتْ ذلك كتبُ السياسة الشرعية عندنا، فذكرت أن اختيار المسلمين للخليفة ورضاهم عنه هو الذي يعطيه حق الحكم.
النُّخب المثقفة: والدرس البليغ
اليوم تخلت الدول العظمى عن عبيدها بعد أن خدموها عقوداً: ما الدرس الذي ينبغي للنخب المثقفة - التي كانت أبواقاً لهؤلاء - تَعلُّمُه؟
طرحنا هذا السؤال على د. محمد موسى الشريف الذي أجابنا بقوله: الدرس العظيم الذي كان ينبغي تعلُّمه من عقود هو أن الغرب إذا استنفد أغراضه من عميله نبذه وطرحه طَرْح الأوراق المهملة والأحذية المستعملة، وما شاه إيران عنا ببعيد؛ فالذي ينبغي لكل عاقل يريد خدمة مجتمعه أن لا يتجه شرقاً ولا غرباً إنما يُسلم وجهه لله تعالى ويتوكل عليه وحده. أما الاعتماد على الشرق والغرب فقد رأينا نتائجه فيما حصل ابن علي ومبارك والقذافي... والحبل على الجرار: (فاعتبروا يا أولي الأبصار).
الثورة الخلاّقة
هل ما يجري في العالم العربي من ثورة هو الفوضى الخلاًقة التي تريدها أمريكا للمنطقة؟ وهل أمريكا لها يد فيما جرى ويجري من ثورات اليوم؟
- يرى د. حاكم المطيري أن الفوضى الخلاّقة نظرية سياسية تقوم على أساس الاستفادة من الاضطراب وعدم الاستقرار في المناطق الحيوية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم، وقد جاء المحافظون المسيحيون الجدد، بقيادة جورج بوش (الابن)، فأرادوا تطبيق هذه النظرية في العالم الإسلامي والعربي، وقد كان المشروع الأمريكي للمنطقة يقتضي ضرب استقرارها وإعادة ترتيبها ورسم حدودها من جديد بتفتيتها وتجزئتها أكثر وأكثر...
ويضيف: فجاءت (الثورة العربية الخلاّقة) لتنسف المشروع الأمريكي للمنطقة من أساسه، ولتعيد ترتيب الأوراق من جديد، لا كما يريد الغرب الاستعماري، وإنما وَفْق ما تتطلع له الأمة وشعوبها، فكانت الثورة العربية حدثاً تاريخياً مفاجئاً بكل المقاييس، فقد أربك سياسة أمريكا وأذهل أوربا حدوث مثل هذه الثورة دون سابق إنذار ورصد، ولهذا حاولت - ولا تزال تحاول - بكل ما تستطيع وأد الثورة التونسية من خلال التدخل الفرنسي، والثورة المصرية من خلال تدخل بريطاني وأمريكي... فلما جاءت الثورة الليبية وكان القذافي قد أمّن لهم مصالحهم النفطية، ونفّذ لهم شروطهم، رأت الولايات المتحدة ضرورة كبح جماح هذه الثورة العربية، والاكتفاء بما جرى في تونس ومصر، إذ نجاحها في ليبيا سيفتح الباب على مصراعيه لتعم الثورة العالم العربي كله، وكان وأد الثورة فيها يعني إمكانية إجهاض أي ثورة قادمة، فغضُّوا الطرْف عن المجازر الوحشية التي قامت بها كتائب القذافي مدة أسبوع كامل، حتى ضجّتْ المنظمات الدولية من تلك الجرائم، وبعد أن نجح الثوار في السيطرة على الوضع، خرجت أمريكا عن صمتها مذهولة لتتحدث عن العقوبات على النظام.
ويتابع قائلاً: وإنّ (الثورة العربية الخلاّقة) هي مشروع الأمة المرحلي - وليس النهائي - وهو النقيض لمشروع (الفوضى الخلّاقة) الأمريكي، وقد كانت الثورة ردة فعل عنيفة لتراكمات الهزيمة التي تعرضت لها الأمة...
مستقبل الثورات في الوطن العربي
كتب الفقيه السياسي الفرنسي (توكفيل) منذ 150 سنة يقول: "إن الثورة مثل الرواية، أصعب ما فيها نهايتها": كيف تنظر إلى مستقبل الثورات في الوطن العربي؟
- يجيبنا د. غازي التوبة قائلاً: تشكل هذه الثورات منعطفاً في مسيرة الأمة، وهي قد تنتهي ب
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة