من منابر الدعوة والجهاد إلى سجون الطغاة.. الشيخ الشّاب عرفان المعربوني..
إذا ما تجولت في قرى البقاع، تمرّ بقرية اسمها جلالا، فيها "مسجد خير النّساء الهاشمي"، فإذا دخلته لقيت فيه شيخاً شاباً خلوقاً مبتسماً، يلاعب ابنته الوحيدة مريم، بجانبه عدد من الشباب يمازحهم وكأنه واحد منهم، وإذا ما دخل رجل كبير في السن تراه يحترمه ويقدره، فإذا أقيمت الصلاة لبى المناديَ ليؤمّ المصلين. بعد التسليم والانتهاء من الصلاة يجلس مطمئنّ البال ليعطي مما أعطاه الله من العلم والمعرفة، كلماته ملؤها العنفوان والعزّة بدين الإسلام، يختمها بنصيحة أخوية تخرج من أعماق قلبه، ثمّ يصافح الجميع بحرارة واهتمام ليمضي كل إنسان في شأنه، ويصعد هو ومن أحب إلى غرفته فيتحدثوا بهموم الأمة ووسائل نهضتها وصناعة مجدها من جديد.
للأسف...ذاك في ماضٍ نأمل أن يتكرر، فإن ذهبت الآن فلن تجد الشيخ وإن وجدتَ ابنته (مريم) وبعض الشباب الذين تتلمذوا على يده، وإن وجدت أنفاسه ولمساته في كل زاوية هناك، ولكنك لن تجد الشيخ، لا.. لن تجد الشيخ!!.
هو ليس مسافراً، وليس معتزلاً، وليس مريضاً، بل لا زال بفضل الله في شبابه وقوته وغَيْرته على الإسلام والمسلمين... لا تسأل كثيراً فلا أدري أأكتب لك الجواب بالدمع أم بالدم؟! لم تعد تخرج الكلمات، ولكنّ الشيخ خُطف، نعم خُطف بعيداً... إلى سجون النظام السوري المجرم.
آخر ما فعله الشيخ، مرّ كالعادة إلى منزل والديه اللذين دعواه للغداء فوعد بالّرجوع...
وكما يتحدث من يعرفه، فإنّ اختطافه ما هو إلا بسابق إصرار وترصد وهو بسبب مواقفه الجريئة الدّاعمة لثورة الشعب السّوري بوجه الظلم ووقوفه بقوة مع قضايا الأمة الكبرى فقد كان صوتاً عالياً للحق على منبره وفي ميادين الدعوة والعمل للإسلام. هذه الجرأة والشجاعة والثبات على الحق وتمسكه بمبادئ الإسلام شكلت إزعاجاً للمدافعين عن الظلم والباطل فما كان منهم إلا أن خططوا ليُسكتوا صوته واختطفوه... لكنهم لم يُسكتوا صداه ونهجه.
لمن لا يعرف الشيخ عرفان المعربوني: هو ذاك الشاب الذي نشأ على حب الدين، تخرج عام 2003م من أزهر البقاع بشهادة الثانوية في العلوم الشرعية والكونية. ليكمل بعدها طلب العلم الشرعي في جامعة بيروت الإسلامية وتخرج من كلية الشريعة عام 2010م. هو الحافظ لكتاب الله الساعي للعمل به ولتحكيمه، وقد نذر حياته للدعوة إلى الله ونصرة الإسلام والدفاع عن أعراض المسلمين. وهو عضو هيئة علماء المسلمين في لبنان.
كان الشيخ عرفان محبوباً عند أصدقائه، ومحل تقدير عند أساتذته أثناء دراسته وبعد تخرجه. هو الإنسان الذين كان يضع مصلحة الدين فوق مصلحته الشخصية فسبّب ذلك له الأذى في أكثر من محطة، ومع ذلك نحسبه صابراً محتسباً.
ويذكر صديقه الشيخ يوسف القادري عن الشيخ عرفان: "أنه تطلعت نفسه للإسهام في تحرير فلسطين، أحب القوة والاستعلاء بالحق وكره الضغف والاستخذاء. له نظرة ثاقبة في البشر، وأثرٌ عميق في النّفوس، و"كاريزما" مغناطيسية، وهيبة العزيز بدينه. فأنقذ الله به شباباً قد غرقوا في الجهل والمعصية إلى النور والهداية ورحاب المساجد، رأوا فيه الأخ الكبير، والقائد الشجاع، والخطيب المعبِّئ، الذي يعلو المنبر ويتقدم الصفوف. ساعياً لتوحيد الجهود ولملمة الصفوف.
(أبو مريم)، الجبل الشامخ أمام الطواغيت، هو نفسه الأب الحنون الذي يرحم ابنته الصغيرة ويلاعبها ويستجيب لحاجات طفولتها. هو الكبيرُ أمام الجبابرةِ، المتواضعُ الخلوق الذي يتحاشى الكلام أمام إخوانه طلاب العلم والعلماء ما لم تضطره الفريضة الشرعية، فالعمل أحب إليه من الكلام. يرحم الأرملة والمسكين وابن السبيل، ويسعى لقضاء حاجاتهم ويحفز أغنياء المسلمين على أداء واجباتهم وفعل الخيرات. هو قائد بالفطرة ونموذج يقتدى به. نال ثقة شريحة من أهل الخير فائتمنوه على بناء مسجد خير النّساء الهاشمي في جلالا – تعلبايا، فهندسه على أحسن طراز وأعمره بأحجاره ورواده، وأقام فيه النشاطات والاعتكافات والإفطارات والدورات للفتيان والفتيات واللقاءات الشبابية والسهرات العبادية الأخوية التوجيهية. فجعله مسجداً حيّاً مفتوحاً للعبادة والبناء.
تَمَثًّلَ فكر العلماء المجددين أمثال البنا والمودودي والمفكّر الحر العملاق (سيد قطب) وغيرهم، فاستلهم من القرآن حتى خالط لحمه ودمه. وسبح في رياض السيرة النبوية وغزواتها ينزل وقائعها ودروسها على واقعنا".
نهديك الأبيات التي تلقاها سيد قطب من شقيقته وهو يقبع في سجن الطاغية عبد الناصر:
أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر وراء القيود
إذا كنت بالله مستعصماً فماذا يضيرك كيد العبيد؟
هكذا الشيخ عرفان، مثالٌ وقدوةٌ لكل شباب اليوم ليكونوا خير رجالٍ كالذين فتحوا الأندلس وأعادوا القدس. لا لم يَغِبِ الشَّيخ وإن غُيِّب، هو حركة ونشاط في داخل كل واحد منا تملأ كل نفس عزيزة وترسم أملاً لا يدركه إلا المؤمنون برسالة الإسلام. فذاك طريق الحق، طريق ذات الشوكة، ولكنّ وعد الله باق وسيتحقق والإسلام حتماً يعود يعود، فيا معشر الشباب غُذّوا السّير مسرعين لرضا الرحمن علماً وقولاً وتطبيقاً وعملاً.
أخيراً، لا بدَّ من ذكر تقاعس ما تبقى من الدولة في لبنان، فهي التي تحركت من نوابها إلى رئيسها مروراً بزعمائها السياسيين وحركت الأموال والاتصالات والإعلام ومرافق الدولة كافة لإطلاق سراح 11 لبنانياً اختطفوا من داخل الأراضي السورية، وهي تتحرك أيضاً بلهفة وحرقة لإطلاق سراح مطرانين أحدهما غير لبناني اختطفا داخل سوريا وكذلك الرّاهبات وأكثرهن سوريات. ولكنها تنسى وتتناسى قضية داعية مسلم اختُطف. ولا تجد هيبتها المفقودة إلا في قمع التحركات الشعبية التي تناصر (قضية الشيخ عرفان) واستدعاء محبيه لأقبية التحقيق والسجون تحت ذرائع ملفقة. أيَّ عدل يدّعونه؟ وأي شعارات للمساواة بين المواطنين يتغنَّوْن بها؟! وقد أكدت الوقائع وقوع الإهمال والتمييز!! احترموا عقولنا ولا تُمعنوا في تهميشنا فالظلم مرتعه وخيم.
وإنا نقول نصرة لشيخنا:
يا أبا مريم، إنا على الله متوكلون وأملنا عليه معلقون، لا تيئس فالنصر صبر ساعة.
وأخيراً نتوجه بالنداء لكل من عنده ذرة إنصاف وضمير للسعي الجاد القوي لإطلاق سراح الشيخ المختطف من حوالي 10 أشهر (منذ 3-3-2013). فللشيخ أحباء مشتاقون ومنبر ينتظره وعائلة متلوعة ومسكين ينتظر أن يساعده وشباب ينتظرون أن يوجههم ويعلمهم. ولا زالت الطفلة البريئة (مريم) تنتظر أباها الحنون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة