مدارس الأئمة والخطباء في تركيا
في وقت بات المسلمون بأشد الحاجة للتعريف بدينهم بصورة صحيحة، ظهرت في تركيا فكرة المدارس الدينية (مدارس الأئمة والخطباء) لتجمع بين العلم الشرعي والكَوْني وتُخرِّج دعاة ومصلحين وسياسيين.
هذه المدارس نشأت في العهد العثماني، وتمَّ تطويرها عام 1950 لسدّ احتياج الدولة للأئمة والخطباء.
حول هذا الموضوع نسلّط الضوء مع ضيفتنا في هذا العدد الأستاذة شيماء أرسلان.
سيرتها الذاتية:
حصلت على الليسانس من جامعة أتاتورك - قسم الشريعة - عام (1997)، وعلى الماجستير من جامعة مرمرة قسم التربية الدينية عام (1999)، وعلى الدكتوراه من الجامعة نفسها والقسم نفسه عام (2006). وهي عضو فعال في مركز تربية القيم (Değerler Eğitimi Merkezi) منذ عام 2003م، وتعمل فيه مساعدة محرِّر للمجلة التي يُصدرها. وفي مجالها كُلّفَتْ بوظائف شتى في تنظيم مؤتمرات محلية ودولية. ومنذ عام 2009 تعمل عضوَ هيئةِ تدريس في جامعة إسطنبول - كلية الشريعة - في مجال التربية الدينية. وأما مجالات اهتمامها فهي: سياسات التربية الدينية، وفلسفة التعليم.
1. «منبر الداعيات»: نلحظ زيادة أعداد مدارس الأئمة والخطباء فى عهد حكومة العدالة والتنمية في تركيا؛ فما أسباب إقبال الطلاب لا سيما الطالبات عليها؟
•هناك الكثير من النخب الموجودة في حزب العدالة والتنمية ممن تخرجوا من هذه المدارس. والناس يُعلِّقون آمالاً كبيرة على هذا الحزب ليزيد من فرصة التعليم الديني، وليس هناك صلة رسمية بين الحزب وبين هذه المدارس، ولكن من الطبيعي أن تدعم الحكومة المتدينة هذا النوع من المدارس وأن تزيد من عددها.
أما بالنسبة لإقبال الطالبات عليها فذلك يرجع إلى أن هذه المدارس تتميز بما تقدمه من مناخ تعليمي آمن مقارنة بالمدارس الأخرى، وهذا السبب الذي يجعل العائلات الملتزمة تفضل هذه المدارس لبناتها، بالإضافة إلى أن البنات في هذه المدارس يستَطعْنَ أن يتحجبْنَ بكل أريحية. إن الحكومات التي سبقت حكومة حزب العدالة والتنمية كانت تُصعّب من قبول خريجي هذه المدارس في الجامعات، فكان ذلك سبباً في ابتعاد الطلاب عن الدراسة في هذه المدارس خاصة الذكور، بحثاً عن ضمان أوفر لمستقبلهم، ولكن بعد إلغاء هذه السياسة في عام 2011 لوحظ ازدياد الطلب من قِبل الذكور على هذه المدارس.
2. «منبر الداعيات»: ما هو الدور الذي لعبته هذه المدارس في صناعة ثلة من القادة الأتراك ومنهم: رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان؟
•إن رئيس الوزراء أردوغان من خريجي هذه المدرسة، كما يوجد في طاقمه مَن هو خريج هذه المدارس. ولم يكن السبب في دراسة هذه الطبقة هو شغل وظيفة دينية كحال أغلب دارسي هذه المدارس، بل ليكونوا أصحاب مهن في مجالات مختلفة. ويمكن أن تكون الحساسيّة الدينية الموجودة عند أردوغان وطاقمه تعود للتعليم الذي حصلوا عليه في هذه المدارس. وليس كل خريجي هذه المدارس لهم نظرة سياسية واحدة، فبعض خريجيها ينتمي إلى أحزاب سياسية أخرى، لكن يمكن القول إن الرابط المشترك بين هؤلاء الخريجين هو احترام القيم الدينية والالتزام الديني.
3. «منبر الداعيات»: لو تُطلعي القرّاء على الأثر الكبير الذي أحدثته هذه المدارس في بنية تركيا السياسية والاجتماعية والثقافية؟
• من أهم النتائج التي حققتها البنية الثنائية الشخصية لهذه المدارس توأمة الفكر الديني والعلمي، وربما مِنْ أهم تأثيرات هذه المدارس على أفكار المسلمين فكرة إمكانية وجود المسلم الحديث المجدد، فكون أردوغان وطاقمه قد نشؤوا في رحب هذا التعليم يعرفه كل الناس.
أما كون المدارس قد واءمت بين علاقات الدين والعلم فهي مسألة مهمة يجب الوقوف عليها، وهذه المسألة ليست فقط تتعلق بهذه المدارس، بل هي من أهم الواجبات التي تُلْقى على عاتق العالم الإسلامي.
وأيضاً فإن مدارس الأئمة والخطباء قد لعبت دوراً في التغير الاجتماعي لتركيا، فإنها منذ سنة 1950 تحملت وظيفة رفع مستوى الطبقة الاجتماعية المنخفضة (من المناطق الريفية) وذلك بتعليم أبنائها في مستوى أعلى وأرقى.
4. «منبر الداعيات»: كيف ترين تفاعل المجتمع التركي بمختلف مستوياته مع هذه المدارس؟
• يمكن القول: إن هذه المدارس لها انطباع إيجابي بشكل عام من الشعب دون تمييز عرقي أو مذهبي. إن الخدمات الدينية والتعليم الديني في تركيا يُداران من قبل الدولة، أما المؤسسات المدنية فإنها تدير فعاليات في هذا المجال بشكل غير رسمي. وبشكل عام فإن الشعب يثق أكثر بالتعليم الديني المعطى من قِبل الدولة. ويمكن القول إن هذا الوضع هو امتداد لفكرة وحدة الدولة مع الدين في الدولة العثمانية، وإن سياسة التعليم وإن كانت قد اكتسبت حرية أكثر في السنوات الأخيرة إلا أنه على سبيل المثال غير مسموح أن يكون هناك فرع لهذه المدارس تابع لجماعة دينية ما.
5. «منبر الداعيات»: ما حجم الاهتمام الذي توليه هذه المدارس للغة القرآن الكريم؟
• إن تدريس اللغة العربية يحتل مكاناً في جميع مراحل التعليم الإعدادية والثانوية (من الصف الخامس حتى الصف الثاني عشر). وفي كل صف من الصفوف يتم أيضاً تدريس تجويد القرآن وتفسيره. ولكن لا نستطيع القول إن التعليم يكفي لمهارة قراءة وتكلُّم وكتابة اللغة العربية بشكل كاف.
وبالنسبة لتعليم اللغة العربية أيضاً فقد حصلت تطورات جديدة في آخر سنتين، وهي أن الطلاب في المدارس العادية أصبح بإمكانهم أخذ درس اللغة العربية كمادة اختيارية، فلم تعد اللغة العريبة محصورة في مدارس الأئمة والخطباء. وأيضاً تم إضافة درس القرآن الكريم كمادة اختيارية في المدارس العادية.
6. «منبر الداعيات»: كيف تصفين علاقة الشعب التركي عامّة مع القرآن الكريم ثم مع اللغة العربية؟
•إن الشعب التركي يعي أن قراءة القرآن الكريم عبادة، ويشعر بقيمتها، ويمكننا أن نقول إن الشعب التركي متفوق في كيفية حمل المصحف، وفي احترامه له، وحفظه في البيوت، وفي وعي مسؤولية قراءته. ولأن اللغة العربية تحتاج إلى تعليم خاص وأغلب الناس لا يعرفون اللغة العربية فإنهم يقرؤون القرآن باللغة العربية دون أن يفهموا معانيه، وقراءة التفسير ليست بعادة منتشرة، فعلوم الأتراك من القرآن يحصلون عليها من خلال الدروس الدينية.
7. «منبر الداعيات»: هل من شخصيات نسائية لهن بصمات في المجتمع التركي وهن من خريجات هذه المدارس؟
• لا يمكننا أن نذكر أسماء لامعة جداً لها بصمة في المجتمع، ولكن تُوجد شخصيات نسائية بعدد أقل من الرجال في مهن متنوعة من كاتبات وسياسيات وأستاذات في الطب وغير ذلك، فخريجات مدارس الأئمة والخطباء نشيطات بشكل واضح في فعاليات المجتمع المدني.
8. «منبر الداعيات»: ما هو الدور الذي لعبته ثانوية الأئمة والخطباء، ومراكز تحفيظ القرآن في بناء شخصية الفتاة المسلمة وزيادة وعيها السياسي وتفعيل نشاطها في المجتمع؟
• ليس هناك نتيجة تشير إلى أن تأثير التعليم الديني في مدارس الأئمة والخطباء على الطالبات يختلف عن تأثيره في الطلاب، ولكن يمكن القول: إن البنات يجدْنَ في جوّ هذه المدارس راحة أكثر من الأجواء المختلطة. نحن نرى أن النساء أكثر فعالية من الرجال في فعاليات المجتمع المدني، ولكن ربط ذلك بالتعليم الذي حصَّلوه في مدارس الأئمة والخطباء خطأ، بل إن هذا وضع يحتاج إلى تحليل اجتماعي يتعلق بشروط انخراط النساء في حياة العمل.
وليس هناك وجود لِجَوّ سياسي في مدارس الأئمة والخطباء، فإن الحكومات تأتي وتذهب ولكن المدارس تستمر، ولا يمكن القول: إن هناك دور مباشر لزيادة الوعي السياسي لهذه المدارس، ولكن يمكن القول: إن هناك سياسة في هذه المدارس لمنع أي وضع لها من شأنه أن يجعل الطلاب أو أهاليهم يعترضون ويتدخلون تدخلاً سلبياً بإخراج أبنائهم من هذه المدارس التي تمنحهم التعليم الديني بسبب ميل سياسي ما.
• وأخيراً: لا بد أن يتفوَّق المسلم في مجال العلم الديني والكوني ليكون منتجاً ومجدّداً ورائداً في عصرنا الراهن.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة