جبهات إيران المفتوحة
يقول خبراء العلوم العسكرية والتخطيط الاستراتيجي إنه من الصعب علي أي قوة أيا كانت مقدرتها العسكرية أن تقاتل علي أكثر من جبهتين فى آن واحد وإلا تشتتت قوتها وهزمت علي كل الجبهات، ولن أخوض فى التاريخ ومعاركه وشواهده الكثيرة وإنما علي المستوي القريب ومع أكبر قوة عسكرية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية حينما فتحت جبهتين فقط لا غير فى أفغانستان والعراق هزمت في كليهما واضطرت إلي سحب قواتها والبحث عمن يقاتل عنها بالوكالة ، أما الأتحاد السوفيتي فقد أنهكته جبهة واحدة هي الجبهة الأفغانية وخرج مهزوما من أفغانستان علي أيدي مقاتلين أغلبهم من غير العسكريين المحترفين وتفكك بعدها وتحول إلى الاتحاد الروسي بينما استقلت كثير من دوله ، الآن دخلت إيران نفس النفق الذي دخل فيه الأمريكان والروس وقوى كثيرة أخرى سبقتهم علي مدار التاريخ وهذا النفق تدخله القوى وهي مصابة بالعمى لا ترى إلا شيئا واحدا هو غرور القوة و قدرتها علي أن تقهر من أمامها. ولوعدنا بالمشهد خمس سنوات فقط إلي الوراء لوجدنا أنّ إيران استطاعت دون أن تدخل فى حروب عسكرية أن تصنع قوة عسكرية تخيف إسرائيل والمنطقة هي "حزب الله" بينما سلمها الأمريكان العراق علي طبق من ذهب، وكان النظام السوري يدين بالولاء لها ويشكل مع العراق وحزب الله ما هو أكبر من الهلال الشيعي كل ذلك دون نفقات باهظة ودون نقطة دم واحدة، وكانت حسابات دول الخليج فى الدخول في أي مواجهة مع إيران حسابات معقدة وصعبة في ظل تفوق عسكري إيراني ملحوظ وعدم رغبة خليجية فى الدخول فى معارك مع أحد، لكن هذا الوضع تغير إلي حد كبير خلال خمس سنوات فقط، فقد اصبحت إيران تقاتل بجنودها وتنفق من ثرواتها علي كل هذه الجبهات التى كانت تدين لها دون مقابل وشوهد قاسم سليماني وهو يخوض الحروب فى العراق وسوريا، وقتل وجرح العشرات من كبار الضباط سواء من الحرس الثوري أو الجيش أو غيرهم، هذا بخلاف المليشيات الشيعية التى جلبها الأيرانيون من أصقاع الأرض وبخلاف الخسائر الهائلة فى صفوف حليفه حزب الله، إذن هناك جبهتان مباشرتان تقاتل إيران بجنودها وسلاحها ومالها عليهما خارج حدودها جبهة فى العراق وأخرى فى سوريا، وقد أثبتت فى كلا الجبهتين عجزا عسكريا واضحا على الحزم أو تحقيق النصر مما حدا بالروس أن يدخلوا إلي جوار الإيرانيين فى سوريا ليديروا المعركة من الجو بينما يدير الايرانيون وحزب الله والمليشيات وقوات النظام المعركة علي الأرض ومع ذلك نجد كل هذا الحلف الذي تقوده إيران ومعها روسيا يحقق الخسائر ويعجز عن الحسم فى سوريا أو تحقيق النصر فى العراق..
لم تكتف إيران بجبهتي العراق وسوريا التي تقاتل عليهما بشكل مباشر بجنودها وسلاحها ومالها، وإنما فتحت على نفسها جبهة ثالثة هي جبهة اليمن، حيث بدأت تعد لها من خلال علاقاتها مع الحوثيين التي بدأت قبل ما يزيد على عشرين عاما ومكنتهم بمساعداتها من أن يتحولوا من جماعة ثقافية محلية منزوية في جبال صعدة إلى حركة عسكرية تمكنت خلال فترة وجيزة أن تخوض عدة حروب مع نظام المخلوع صالح ثم تقوم بعد ذلك من خلال التواطؤ معه من الاستيلاء على مساحات شاسعة من اليمن، وما كان للحوثيين أن يقوموا بذلك لولا الدعم الايراني القوي لهم، ورغم تأكيد جهات عديدة في المقاومة اليمنية وجود قوات إيرانية على الأراضي اليمنية، إلا أن إيران تنكر ذلك لكنها لا تنكر موقفها الداعم للحوثيين الذين تحولوا من المذهب الزيدي إلى المذهب الأثنا عشري الذي يدين به الإيرانيون.
وبالتالي فإن فتح ثلاث جبهات قتالية من قبل أي قوة عسكرية وفق العلوم الحربية كفيل بإنهاكها مهما كانت قوتها، لكن غرور القوة دفع الايرانيين إلى مزيد من فتح الجبهات عبر المناوشات مع دول الخليج من خلال الطابور الخامس لبعض شيعة الخليج الذين تخلوا عن عروبتهم وجذورهم وقرروا أن يكونوا مجرد بيادق في المشروع الإيراني الفارسي، وتناسى هؤلاء أن إيران بكل قوتها وجنودها وحرسها الثوري وميليشياتها وقوات حزب الله التابعة لها فشلت في كل المعارك التي خاضتها على الأرض في العراق وسوريا، وعجزت كل هذه القوات عن الدخول إلى مدينة الزبداني أمام بضع مئات من المقاتلين الذين صمدوا تحت الحصار ستة أشهر وهم يقاتلون الحشد الايراني الذي يأتيه المدد من كل مكان، كما عجزت إيران وكل ميليشياتها وجنودها في ريف حماة وإدلب وحلب وقتل كبار قادتها العسكريين هناك، وهذا يدل على أن المناوشات والتهديدات والأصوات العالية شيء والقتال على الأرض شيء آخر، ففشل إيران عسكريا في العراق وسوريا دليل على أنها لا تستطيع المواجهة على الأرض في أي مكان آخر، كما أن عجزها عن حماية نظام الأسد أمام عدة وعتاد قليل للمقاتلين السوريين دليل على أنه لو توفر العتاد والسلاح للمقاومة السورية لذاقت إيران الهزائم المريرة هناك.
قد تكون لايران مطامع في دول الخليج بل إنها لم تنكر ذلك وإنما سعت وتسعى إليه لكن أي تحرك عسكري لايران لن يكون نزهة لاسيما وأن إيران تعاني من جبهات أخرى لا تقل خطورة في داخلها هي جبهات السنة الايرانيين البلوش في شرقها والعرب والأهوازيين في غربها وهذه الجبهات لو وجدت الدعم فإنها لن تنهك إيران فحسب بل يمكن أن تفتتها وتقضي عليها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة