الكاتبة الإسلامية عابدة العظم حفيدة العلامة الشيخ علي الطنطاوي
المرأة في كتابات الشيخ محمد قطب
الأستاذ محمد قطب شخصية إسلامية فكرية بارزة وصاحب مؤلفات مهمة تؤسس لفكر إسلامي معاصر، وكان من المهتمين بقضايا المرأة وما يحاك ضدها، ولهذا الجانب نصيب وافر من كتاباته؛ ففي كتابه "مذاهب فكرية معاصرة" انتقد أفكار ماركس وفرويد ودوركايم عن المرأة، وتناول بالتحليل الانحرافات المنهجية والمغالطات التاريخية في أفكار ماركس، كما انتقد المنظور الجنسي الذي يفسر به فرويد السلوك البشري، وانتقد أفكار دوركايم حول المجتمعات، وتناول بالعرض والتحليل كيف تحولت المرأة في المجتمعات الأوروبية إلى التحلل الأخلاقي من خلال الأدوار الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها، لتصل إلى هذا الوضع المزري الذي تعيشه الآن.
وتناول قضايا المرأة في كتبه: "الإنسان بين المادية والإسلام"، "في النفس والمجتمع"، و"معركة التقاليد"، وأكد أن ما تلاقيه المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية من الإهانة والظلم والتهميش هو نتيجة البعد عن الإسلام، وليس كما يصور دعاة التغريب لأنه نتاج تطبيق الإسلام، وأكد فيها كلها على سمو نظرة الإسلام للمرأة، مقابل انحطاط مكانتها في ظل المناهج الأخرى في الماضي والحاضر.
وعرض في كتابه "شبهات حول الإسلام" حقوق المرأة في الإسلام، وردّ على الشبهات التي تثار في هذا الشأن. ومن الجميل في كتاباته احترامه للأنثى، وإنصافه في وصف واقعها؛ فهي مظلومة، وتُعَيّر بأنها جاهلة، ومهمتها تنحصر بالحمل والولادة فقط؛ نظرة جاهلية تسربت إلى المجتمع المسلم على مر الزمان، ومن المعلوم أن المجتمعات الجاهلية تميل -غالباً -إلى التقليل من شأن المرأة وازدرائها! ولا ينقذها من ذلك شيء إلا شرع الله المنزل لإصلاح البشرية. وشرح الشيخ أن هذا الوضع المنحرف عن توجيهات الإسلام هُو الذي فتح الثغرة للغزو الفكري، وهو الذي استغله الشياطين لينْفُذوا منه إلى المجتمع الإسلامي وينَفِّذوا مخططاتهم فيه. فالله كرم المرأة كإنسان، وأكد الوحدة الكاملة بينها وبين الرجل في الأصل والمنشأ والمصير، والمساواة الكاملة في الكيان البشري، والأهلية للملك والتصرف ... والناس يظلمونها كإنسان. والله كرمها مرة أخرى حين قرر للأم احتراماً وتوقيراً خاصاً وجعل الجنة تحت أقدامها على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ولا تجد شيئاً منه. فكان الشيخ من الذين صوروا المرأة في صورة راقية، وفهموا دورها التربوي الراقي في الأسرة، ومما كتبه: "إن إخراج المرأة من البيت، ودفعها إلى العمل في الخارج... قد أحدث دماراً عنيفاً في المجتمع، لا يمكن الإحاطة بكل أبعاده؛ لأنه ما زال يلد شروراً جديدة حتى هذه اللحظة.
وكتب الشيخ عن تحرير المرأة بالتفصيل، وبيّن خلفيات الشخصيات التي سعت للتحرير ونفّذته، ممّا جعل المطلع يتفهم الواقع على حقيقته، ويدرك ما خلف هذا التحرير من نوايا سيئة.
وتكلم في كتابه "جاهلية القرن العشرين" عن المساواة بين المرأة والرجل، وبَيّن أن تلك المساواة حركة تسعى للفجور! وأن التحرر المقصود هو تحريرها من الأخلاق والدين، ونشر الإباحة، وتثبيط الزواج.
وكان الشيخ يُكثر من وصف الواقع الغربي وأحوال المرأة فيه لكي يبين طبيعة الحياة والمساواة التي يدفعون المرأة إليها دفعاً، وهي في حقيقتها مفسدة كبيرة وتعب ونصب، وكان خائفاً يترقب أن يؤدي خروج المرأة من بيتها إلى هلاكها بين العمل ورعاية البيت، وكان يخشى من تفلت الأولاد وضياعهم وبالتالي يؤدي ضياع المجتمع. ولذلك جاءت التشريعات الخاصة ببناء البيت المسلم محددة وواضحة، فقد هيّأ الله المرأة خير تهيئة للقيام بوظيفتها حسب طبيعتها البيولوجية فجاء تخصيص المرأة للبيت لوظيفة الأمومة ورعاية النشء ليس ظلماً لها، ولا تحقيراً، ولكن الجاهلية هي التي جعلته كذلك حين عيرت المرأة بأنها تحمل وتلد ولا تصنع غير ذلك! لقد تخصص كلٌّ من الرجل والمرأة بمهمة لا يستطيع الآخر أن يقوم بها بالصورة المطلوبة؛ وإذا اختلطت المهام بينهما حصل الاضطراب حتى يشمل المجتمع، ثم الحياة كلها.
ومما يثير الإعجاب في كتابات الشيخ، أنه لم يفصل المرأة عن الرجل، فهما كائنان متكاملان، وأي تقصير أو تهميش لطرف يضر الطرف الآخر ضرراً بيناً، ويؤثر على أدائه لدوره وقيامه بمهامه، وهذا ما كتبه: "هي ليست "قضية المرأة" ولا قضية الرجل، إنما قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها وأطفالها وحكامها وعلمائها وكل فرد فيها".
وكتب عن الحجاب: "أما قضية الحجاب والسفور فما مكانها من المنطق، وما مكانها من الحق؟!! لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة، فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من (الظلم) الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل. إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها، الذي لا تملك -إن كانت مؤمنة -أن تجادله سبحانه فيما أمر به، أو يكون لها الخيرة في الأمر. وخلاصة رأيه: "قضية المرأة والفساد الخلقي الناشئ من التحرر، من أفعل الوسائل في فك ارتباط المجتمع بجذوره الإسلامية".
ولم يكن الشيخ من الذين يكتفون بالنقد والهجوم، وإنما من الذين يأتون بالبديل، فكتب: "تحرير المرأة يعنى تحرير المرأة من قيود الجهل والتقاليد البالية عديمة الصلة بالدين الإسلامي، وكذلك تحريرها من قيود الفكر الغربى المتحرر من الأخلاق والدين، وبحيث ينبع ذلك التحرير من الإطار الفكرى الإسلامي".
وما أجمل قول الأستاذ محمد قطب في كتابه "الإنسان بين المادية والإسلام": "إذا غلب الرجل بجسمه أو عقله أو نقوده... فهي تغلب بجاذبيتها وأنوثتها فتأخذ السلب كله وتملكه في النهاية!"، وما أجمل فعله مع زوجته التي وصفته بأنه قرآن يمشي على الأرض.
وطوبى لمن وافق قوله عمله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة