هو ثأر حزب الله ومن والاه...ماذا تكشف رسالة الأسير الأخيرة؟
"يا لثارات الحسين" , شعار تحوّل الى راية يقاتل في ظلها غلاة الشيعة ويرفعونها من دون أن ترفعهم، لتبرر سفكهم الدماء بين العراق واليمن وشواطىء المتوسط. مفهوم الثأر كمحفز يشكل جزءاً جوهرياً من فكر وعقيدة كل من جماعات الولي الفقيه، المتمسكين بجاهلية نبذها الإسلام حين جاء في الحديث الشريف "لا يؤاخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه" ومن ثم بما روي عن رابع الخلفاء علي بن أبي طالب حين قال “ألا لا تقتُلُنَّ بي إلا قاتلي”.
وتقع ثقافة الثأر الدمّوية ضمن منظومة تنميط اجتماعي قد أجيدت إدارتها وتوظيفها من قبل الجماعات الشيعية في إطار من الغموض لا يكشف المكان والزمان والكيف المرتبط بالثأر مقابل بروز الحاجة إلى هذا المفهوم وفي ظل غايته المزدوجة: أولاً الإبقاء على مناسبة الثأر حيّة لغرض شدّ عصبية الجماعة وثانياً استعماله كسلاح تهديد وتهويل يُشهر في وجه خصوم هنا وهناك. وليس الاتهام لبعض الفكر الشيعي بأنه وراء الانتقام الثأري بباب افتراء, حيث جاء في كتاب “الرجعة” للشيخ أحمد الأحسائي في الصفحة 296 في "حديث روي عن الصادق عليه السلام :إذا قام القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها" أي أنّ المهدي المنتظر حين يأتي سيقتل أحفاد من قتلوا الحسين. كما نجد هذا المنهج في غيبة النعماني ص 236 وفي بحار الأنوار حيث يذكر أنّ "القائم (أي المهدي) يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً ، ويل لمن ناواه" وما ذلك الا مواصلة لنفس العقيدة التي تبيح الدماء.
نعم يتحمل من رفعوا شعار "الثأر" جزءاً كبيراً من الدماء التي تراق لأنّ الإصرار على تكرار هتاف "الثارات" من دون توقف وبمناسبة وبغير مناسبة هو تعميق للعداء الطائفي وتحريض على الحقد والكراهية لدى عموم الناس، ممن يوهمون بأنهم بذلك يقفون في وجه الظلم. شعار الثأر ارتفع قبل مقتل الحسين بن علي في كربلاء بل بدأ مع أبو لؤلؤة المجوسي الذي قتل الخليفة الثاني عمر الخطاب عام 644 انتقاماً لإمبراطورية الفرس التي سقطت.. وتتواصل شعارات الثأر حتى قرر الحشد الشعبي مؤخرا عام 2015 بأمرة زبانية إيران الانتقام من أهل تكريت تحت نفس الشعار الطائفي "الثأر لشهداء سبايكر" (تذكيراً بالذين سقطوا في قاعدة سبايكر على يد تنظيم لدولة - داعش). تجدر الإشارة لما أورده موقع عماريون الإخباري الإيراني المقرب من الحرس الثوري بأنّ "ثأر الشيعة من تكريت له أبعاد تاريخية وغيبية تبدأ مع خروج صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر ميلادي من هذه المدينة ولا تنتهي بصدام حسين. فتكريت هي مسقط رأس عوف السلمي الذي سوف يقتل الشيعة قبل ظهور المهدي" وفق زعم الموقع الإيراني.
الغريب في الثأر لدى حزب الله، باعتباره أبرز من حملوا الفكر الشيعي المرتبط بالولي الفقيه، أنّه يطبق عليه مبدأ "الأقربون أولى بالمعروف" وكأنّ من يحملون ثقافة الثأر، والتي نهى عنها الإسلام، إنّما يطبقونها على من يساكنهم في البلد عينه ويتقاسم معهم هوية الوطن الواحد. لا يبحث حزب الله عن ثأر عماد وجهاد مغنية لدى إسرائيل، ولا يعتبر أن ثأر مصطفى بدرالدين وباقي القيادات التي أزهقت أرواحها في سوريا مسؤولية العدو الصهيوني، بل يترجم ثأره فعلاً دموياً في خان طومان وقبلها في القصير واحتفالاً بسقوط زهران علوش وغيره في مواجهة المكونات التي لا تحمل هويته الطائفية. وفي لبنان، يأتي معروف حمية قاتل المغدور حسين الحجيري ليجسّد هذه النزعة الثأرية محاولاً تغطيتها بالعباءة العشائرية "البعلبكية" مع أنّ الغلاف الحقيقي لهذه الحالة قد منحها حزب الله المشروعية المعنوية وغذّاها بثقافته الثأرية المذهبية وأيّد استمرارها من خلال نفوذه السياسي والأمني.
ليس بعيداً عن الدماء التي تجري في البقاع وما خلف حدوده، يمارس حزب الله ساديته الثأرية على مهل في مواجهة خصم داخلي آخر هو الشيخ أحمد الأسير. آخر أخبار الشيخ الأسير من زنزاته تحت الأرضية في سجن الريحانية، رسالة خاصة تحمل تاريخ 23 أيار 2016، مرسلة منه الى عائلته يصف حالته المرضية التي تتدهور. وفي التفاصيل، فقد وصف الشيخ الأسير في هذه الرسال تدهور حالته الصحية التي لا تلقى العناية الطبية حيث يتم توزيع "حبوب الالتهاب بالعدد" ويواكب ذلك حالات من الإسهال وارتفاع مفاجىء للسكري لا يعالج سوى بالمصل! حتى أن ما ورد في الرسالة يشير الى استفزاز وإصرار على منعه من سائر البديهيات الحياتية ومنها مثلاً شراشف وحرامات ووسادة وما شابه. خلاصة ما يحصل هو عملية ثأر بطيئة، على مبدأ أن "الانتقام صحن يؤكل بارداً"، يقودها الفكر عينه الذي تجرأ الأسير يوماً على تحدّي "مظلوميته" المزعومة والفاقدة لجوهرها.
لا يحتاج المرء لأن يقرأ "الجريمة والعقاب" لدوستيوفسكي كي يدرك أنّ الجريمة والثأر ما هي إلا فكرة متى استقرت في ذهنك سرعان ما ستملأ عليك نفسك، حين تتحول هذه الفكرة الى وحش ساديّ قاتل. وليس ضرورياً أن يطالع ما بين دفتيّ كتاب Hezbollah: Born with a Vengeance لهلا جابر كي يفهم عمق المفهوم الثأري باعتباره عاملاً أساسياً في صعود حزب الله أمنياً وعسكرياً، كوليدٍ مشوّه لواقع اجتماعي كان يعاني من الحرمان ومن العبء التاريخي لمظلومية لا ترتوي إلا بالدماء. لكن النصيحة تقتضي أن يقوم بعض من تقع على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على ما تبقى من الدولة اللبنانية، بقراءة مقدمات الدستور والقوانين وشرعة حقوق الإنسان التي قبل بها لبنان، علّهم يراعوا ما ورد فيها لجهة الحقوق الأساسية للسجين وضرورات رعاية مقتضيات السلم الأهلي. وإن لم يكن ذلك فقد يتحتم على أبنائهم وأحفادهم أن يقرأوا في كتب الحرب الأهلية اللبنانية في نسختها الثانية...والعياذ بالله!
المصدر : Lebanon360
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة