طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
هي مدرسة
برزت هذه المدرسة كياقوتة وسط عقد لؤلؤ... وبين مناهج متنوِّعة، تميَّز منهجها بالرَّبانيَّة، فلم يَسْمُ منهجٌ فوق منهجها... وبين أساليب عديدة، انفرد أسلوبها بالعمق والروحانية... كيف لا؛ وملك الملوك مؤسِّسها؟ وكيف لا؛ وشهادتها معترفٌ بها في الأرض وفي السَّماء؟
شروط الانتساب إليها مفتوحة ويسيرة؛ فترى الفتيان والشباب والشيوخ يسارعون لحجز مقاعدهم، ولا فرق في هذه المدرسة بين ذكرٍ و أنثى، أو بين أسود وأبيض، أو بين عربيٍّ وأعجميٍّ... فالمنهاج واحد، والميزان هو العمل...
في هذه المدرسة لا يُنظرُ إلى الشَّهادات الأخرى، ولا إلى الإمكانيات العلميَّة والماديَّة. رسم التسجيل مجَّانيٌّ، ولكن الثَّمن الذي يدفعه الفرد فيها كي ينتقل من مرحلة إلى أخرى غالٍ جدًّا...
فتحت المدرسة أبوابها وأغلقت معها أبواب الشرِّ، فسادَ جوٌّ من البهجة والحُبور، وزُيِّنت الشوارع والأزقَّة، وتنافس الأغنياء في إعداد الموائد التي لا تخلو من كلِّ ما لذَّ وطاب؛ ظنًّا منهم بأن زينتهم وموائدهم ستُسعِد مؤسس المدرسة، وسترفع من درجاتهم فيها. في المقابل، كانت فئة أخرى من النَّاس قد بدأت تحضيراتها قبل أن تفتح المدرسة أبوابها، فكيف يستقبلون فيض الأنوار كلَّه إن كانت قلوبهم مظلمة؟ وكيف يستخرجون كنوزها إن لم يُعِدُّوا الأدوات اللَّازمة لذلك؟ وكيف يصقلون ما استخرجوا من الدرِّ إن كانت أيديهم ملطَّخةً بالآثام؟
لقد فهم هؤلاء سرَّ هذه المدرسة، فكانوا يقصدونها طوعًا لا قهرًا، وكانوا يحرصون على كلِّ لحظة فيها؛ لعلمهم أنها مدرسة تنغلق أبوابُها بعد مدَّةٍ وجيزة. ورغم أنَّ ثمن ارتقائهم لمرحلة أعلى هو العمل الدؤوب وترك الذنوب وتنقية القلوب؛ كانوا لا يجزعون أبدًا من دفعه مهما شقَّ عليهم، لأنَّهم يدركون حلاوة الارتقاء، ويطمعون بالوصال...
أمَّا الفئة الأخرى، فكانت تقصد المدرسة جبرًا وكرهًا، لأن أنوار منهجها لامَسَت قلوب الفئة هذه؛ ولكنَّه لم يخترقْها، ولم يسكن في زواياها لكثرة ما ترَسَّب فيها من حبٍّ للدنيا ولمتاعها.
قاربت المدرسة على إقفال أبوابها، فسارع المجتهدون لتكثيف جهودهم، وحاول بعض المقصِّرين أن يتداركوا ما فاتهم، وظلَّ المُبعدون على حالهم من دون أن يشعروا بأيِّ لوعة ندم...
وفي ساعات المدرسة الأخيرة، ارتسمت ابتسامة رضى على وجوه المقبولين بعد أن بُشِّروا بالمغفرة والعتق، وبكى المقصِّرون ندمًا لحصولهم على الدرجات الأدنى. ركضوا ناحية المدرسة... قرعوا أبوابها ونادوا بأعلى صوتهم؛ لعلَّ الأبواب تفتح.
لم تُفتح أبوابُ المدرسة مجدَّدًا بعدما أُوصدت، بل فُتحت أبوابُ العيد، وعَلَتْ تكبيراتهُ، فأقبل الفائزون بوجوه سعيدة، وزادت النادمين أملًا بفرصة جديدة...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن