* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
مع إطلالة شهر رمضان المبارك، نقف وإيَّاكم على متن سفينة الزمان، نرمق الماضي المجيد، ونستشرف المستقبل الجديد.
تعالَوْا معي إلى هناك، إلى ذلك الجبل الشامخ الذي يعانق السماء ويُطِلُّ على أمِّ القرى، إلى جبل النور، وبالتحديد إلى غار حِراء الطاهر، كي نُمعِن النَّظر في تلك اللحظة الحاسمة التي شهدت ميلاد الإشراقة الأولى من إشراقات الوحي، حين نزل سيد الملائكة المقرَّبين بالآيات الأولى على قلب حبيب الحقِّ وسيد الخلق محمد رسول الله [، فكان اللقاء الأول بين أمين السماء وأمين الأرض، لتبدأ _ برعاية الله تعالى _ مسيرة الإصلاح والتغيير الكبرى.
ولنستمع إلى القرآن الكريم، يحدِّثنا عن تفاصيل ذلك الحدث المبارك الذي هزَّ الدنيا وما زال صداه يتردَّد على مدى الأيام والعوالم.
اسْمَعْ إلى كلام الله الخالد، كيف ذكر بالاسم ذلك الشهرالذي ابتدأ فيه نزول القرآن، وخلَّده في كتابه وامتدحه فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
أمَّا الليلة التي شهدت بداية نزول القرآن، فانظر كيف رفع الله تعالى قدرها وباركها بقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ....).
وبقوله: (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ).
ويصف لنا المولى تبارك وتعالى روعة العلاقة بين أمين وحي السماء وإمام الرُّسل والأنبياء، في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ).
أمَّا المادة الأولى في الدستور الإلهي الأخير للبشرية، فكانت: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ...).
هذه هي قصة الإشراقة الأولى؛ إشراقة الحقِّ والنُّور التي مَنَّ الله تعالى بها على عباده، ليخرج مَن شاء منهم مِن ظلمات الشرك والضلال إلى أنوار التوحيد والهداية (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ...).
واستمر فَيض الضياء والنور يتدفق من مشكاة الوحي _ منجَّماً قرابة ثلاث وعشرين سنة _ على قلب الحبيب المصطفى [، لهداية البشرية وإسعادها: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا).
وما زال حبل الله ممدودًا، مَن اعتصم به هُدي إلى صراط مستقيم: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وما زالت أمّة العرب – نواة الأمّة الإسلامية – مطالبة بقيادة البشرية إلى سواء السبيل وهداية العالَم الحائر إلى برِّ الأمان: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
ولكن حتى نُجدد للقرآن دوره في الهداية، ولأمتنا دورها في الرِّيادة، لا بدَّ لنا أنْ نتعامل مع القرآن الكريم كما تعامل معه المسلمون الأوائل، الذين لم تتوفر لديهم تلك الفنون والعلوم القرآنية المعروفة اليوم، ولا تلك التقنيات الحديثة والمراكز المتخصصة الكثيرة؛ والتي تُعنى بالقرآن وعلومه وفنونه _ على أهميتها _ إنما توفِّر لديهم الجِدِّية في التعامل مع القرآن؛ على اعتبار أنه كلام الله المقدس، ورسالته الخاتمة، ونداؤه الأخير للناس.
يتوقف على الاستجابة له مصيرُ الفرد والأمة والبشرية وسعادتهم في الدنيا والآخرة: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
لقد تنبَّه الرَّعيل الأول إلى أهمية التعامل مع القرآن بطريقة عملية تنفيذية، وحذَّروا من التعامل معه بطريقة شكلية أو نظرية، أو جعله سببًا للتَّكسُب المادي.
تأملوا بقلوبكم حكمة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنَّ أحدَكم ليقرأُ القرآنَ من فاتحته إلى خاتمته، ما يُسقط منه حرفًا، وقد أَسقطَ العملَ به)!!
واسمعوا واعقلوا صيحة الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إنَّكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جَملًا، فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله. وإنَّ مَن كان قبلكم رأَوه رسائلَ من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار).
ولبُّوا نداء الفاروق عمر]: (يا معشر القرَّاء ارفعوا رؤوسكم، فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا عِيالًا على الناس).
ولا تنسوا معالم الطريق _ التي بيَّنها لنا شهيد القرآن الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى _ كي نسير على خُطا الجيل القرآني الفريد في: (وحدة مصدر التلقِّي من نبع القرآن وحده، منهج التلقِّي للتنفيذ والعمل، الانخلاع من الجاهلية والاستعلاء عليها بعقيدتنا وقيَمنا... والعزلة الشعورية.
وأخيرًا: أمامنا فرصة ذهبية في شهر الفرقان والصيام والقيام؛ لمراجعة حساباتنا الإيمانية، وتصحيح طريقة تعاملنا مع القرآن الكريم في ضوء ما مضى من إشراقات الوحي، وومضات الرَّعيل الأول ومَن سار على نهجهم بإحسان، إضافة إلى متطلبات الواقع المؤلم، عسى أن نبصر بداية النهوض الصحيح لأمتنا، وننفض عن كاهلها غبار العدوان والطغيان والحرمان، ونرفع من جديد راية القرآن لهداية العالم الحيران، وإنقاذ البشرية من عذاباتها...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة