بكالوريُس كيمياء
وتتُوق النّفس إلى فضفضة
جميل هو الكلام المفيد بكل حروفه، مثمرة هي الفضفضة الزوجية بكل أغصانها، ولعلّ أَمتع وأغزر حوار هو ذاك الذي أفادتني به رفيقة روحي هناء، والذي دار بينها وبين زوجها ضياء، متمنية هي من الكل أن يتعظ ويتجنب اتباع الشهوات فلنستمع:
• الزوجة: زوجي الحبيب، هل سمعت بسلسلة البرامج التي سوف تعرض طيلة شهر رمضان المبارك ومنها ما سيستمر إلى ما بعد رمضان ؟ يا لها من باقة زاهية يتأرجح أريجها من عبير الرومنسيات إلى نفحات الأغنيات ومن عطر الإستديو والمسرح إلى نسمات الكوميديا والفرح... يا له من رمضان ساخن.
- الزوج: هذا يعني أنك لن تشعري أبداً بالملل والضجر، ولا بالجوع والعطش.
• الزوجة: أصبت! وهكذا يمرّ رمضان دون أن نشعر بلهفة عطش حراقة ولا بحِدَّة جوع خزَّاقة. ولكن تبقى فرحتي الكبرى أنك ستشاطرني مشاهدة هذه الكواكب وسنمضي أوقاتاً ممتعة جداً.
- الزوج: لا... لا يا سيدتي! اعذريني! فمهجتي سئمت هذا النمط المزيف من البرامج وباتت تحنُّ لنمط واقعي يربط حاضرها بمستقبلها، يكفيني شرّاً أني رجل بكل قوامي إلا قلبي فهو ورقة خريف تعبث بها نسمات هواهم فأتلاشى ولا أدري ماذا أريد وما القدر وما النصيب؟
• الزوجة: ضياء، أما يعجبك أني قسمتك ونصيبك؟ ولعل كلامك هذا لغز أو فك شيفرة!
- الزوج: أتصدّقين يا هناء؟ أنا بفعل متابعتي واهتمامي الدائمَين بالرومنسيات والدراما بات لذاكرتي سلّم لعالم الوهم والدرهم، ولرغباتي قطار يقف عند كل محطة من محطات حياتي فيولع نار الحنين فلا يولّد إلا فتناً وفجوراً وعدم رضا...
• الزوجة: ارحم غبائي يا ضياء وأوضح لي... أكاد أفقد صوابي...
- الزوج: أتذكرين ذاك الفيلم الذي كان بطله متزوجاً من امرأة حسناء ثرية ؛غير أنه كان يسعى _في تسعين حلقة يعرضونها لنا _لاسترجاع حبه الأول لشابة كانت زميلته في الكلية، فكانوا يصورون لنا مدى انغماسه بعشقها بالرغم من أنها متزوجة ولديها طفلة، هم كانوا يمثلون لنا فقط أنه شغل عمره في البحث عن الحب الأول، يا له من صاحب مشروع عظيم؛ جاهد ليفوز بامرأة وبالحرام، وظلم زوجها وطفلتها... وكل ذلك تحت ذريعة الحب الأول.
• الزوجة: ضياء، استيقظ ! وما علاقة حديثنا بالفيلم هذا؟
- الزوج: أنت تدركين أن كل شاب يخوض عدة تجارب حُبّ، ويكون وفياً في بعضها، فلا أخفيك أني واحد من ثلة هؤلاء الشباب، هذا الفيلم ألهب مشاعري وجعلني متسولاً على باب قلبي لأشحذ منه عواطف لأكفيك وأكفي حُبّي الأول، فقد كنت أحب رفيقتي في الجامعة وقدَّر الله أن تزوجها أحد أقاربها، في كل حلقة كنت أشعر بنيران تتأجَّج في فؤادي، وكنت أحس بك صخرة على صدري! كنت أقلدهم وأكتسبُ عواطفهم وعاداتهم فيسرح تفكيري في زميلتي...
• الزوجة: توقف عن الكلام، والله أيقنت معاناتك وضعفك، بل وانفصاماً في شخصيتك أمام تمثيلهم الخدَّاع المنافي للأخلاق والدِّين.
- الزوج: بل سأكمل، أتذكرين ذلك المسلسل الذي من جرّائه احتقرنا أنفسنا؛ إذ كانوا يجسِّدون لنا حال الإنسان الفقير كيف هو منبوذ ومضطهد وعالة على مجتمعه، ولا بدّ له أن ينخرط في السرقة أو النهب أو اللاأخلاقيات أو أن يلوذ بالانتحار وإلا فتكون حياة الكلاب أفضل منه، أيليق بأمة الرسول الأعظم الذي كان فقيراً بل وجائعاً في معظم أيام حياته؛ إذ كان يربط حجراً على بطنه أن تتدنى بمستوى تفكيرها لهذا الحد؟
• الزوجة: أرجوك أن تصرف النظر عن هذا الحديث...
- الزوج: لا أستطيع، دعيني أفضفض لك. يا زوجتي كل فرح وزهو كنت أحسّه لحظة المتابعة انقلب عليّ همّاً وغمّاً.... أتدرين لماذا أتوق الآن؟ أتوق لسماع آيات قرآنية تثلج وتسكن بركان نفسي، أشتاق لأسمع وأقول كلمة حق تعيد لي لو درهما من رجولتي.
- الزوج: أستحلفك بالله الذي جمعنا على خير ولن يفرقنا أبداً، أما عانيت يوماً من قبوعك وراء الشاشات؟
• الزوجة: بلى والله، كان يهاجمني دائماً تفكير حاقد بأن الله خلقنا وظلمنا لما ابتلانا بنقص من الأموال والأنفس والثمرات، وكم من صلوات فاتتني وهجرت كتاب الله هجراً، وكنت أيضاً أتناول أدوية لتهدئة الأعصاب بفعل انشغالي بعالم برجوازيّ الشكل حقير الجوهر. أما الآن فوالله ما اقتنعت إلا أنَّ الفقر بلاء، وأن المال عطاء من خزائنه جلَّ وعلا، وما أجمل ثواب الله للعبد الصابر، فلقد قال: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). وإني لأستغفر ربي لِما قلت..وأسأله أن أفوز بجنة فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
- الزوج: هاتي يدك لنعاهد الله في جلسة صفاء وأوبة على أن نغتنم رمضان وما بعده في العبادة ونفع الناس بكل ما نستطيع.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة