لطف خفي
الحالة العامة سيئة للغاية .. فشل تام في وظائف الكلى و ارتفاع سرطاني في ضغط الدم .. ارتشاح على الرئتين و نزيف حاد في شرايين وأوردة الرئة.. باختصار ؛ رئتا المريضة تغرق في بركة من الماء والدماء ..
نسأل عن تاريخها المرضي ؛ فتاة في أوائل الثلاثينات .. متزوجة ومنجبة لثلاثة توائم آخرهم طفل مازال في عمر الرضاع .. نشفق على أولئك الأطفال و علي هذا الرضيع من مصير أمه الماثل أمامنا ..
بمزيج من شفقة و يأس واحباط .. نؤدي واجبنا بلا أي أمل في نتيجة .. صعوبة بالغة في الحصول على منفذ للأوردة الرئيسية .. نزيف حاد من الفم والرئتين ..
تسوء الحالة أكثر فأكثر .. ويظهر حل وضع المريضة على جهاز التنفس الصناعي كحل أخير وحيد وسوداوي .. لا أحد ينجو منه .. لكن لا مفر .. ستموت في الحالتين .. هل ندعها تموت بلا محاولة .. نفعل ماعلينا ونحاول .. هو الحل الوحيد ولا حل آخر ..
أنبوبة حنجرية .. منظار ..صعوبة في التركيب من كثرة الدماء .. ثم تتم المحاولة الأخيرة .. توضع الحالة على جهاز التنفس الصناعي و علي جهاز الغسيل الكلوي ..
ساعة من الراحة والانتظار .. نستجمع أنفاسنا .. بينما تبدأ أنفاس المريضة ودقات قلبها في الاختفاء .. توقف مفاجئ في عضلة القلب .. انعاش قلبي رئوي .. محاولة أخرى يائسة .. تبادل للأدوار .. ثم عودة أخري مفاجئة .. مرة أخرى ينبض هذا القلب بالحياة ..
تجنبا للمشكلات .. يخبر الأطباء أهل المريضة ؛ الحالة على جهاز التنفس الصناعي بعد توقف مفاجئ في عضلة القلب .. التحسن ميئوس منه والمريضة في انتظار الموت .. لا أمل في العودة مرة أخرى ..
أعود مغتماً الي يوم الراحة شاعرا بمدى ضعفنا في هذه الدنيا وافتقارنا الى أي اسباب حقيقية فاعلة .. أعود مشفقا على هؤلاء الصغار و مستأنساً بألطاف الله الذي لا ينسي عباده ..
تأتي الأخبار عن الحالة .. الحالة العامة بدأت في الاستقرار .. المريضة استكملت جلسات الغسيل الدموي والحالة في تحسن مفاجئ .. هناك محاولة لرفعها من جهاز التنفس الصناعي .. هناك تحسن في وظائف التنفس واسترداد تدريجي للوعي ؛ في آخر اليوم ؛ المريضة تسترد أنفاسها تأكل و تشرب وتتحدث الى الأطباء والمرافقين ! ..
أعود لأشاهد حالة مريضة عائدة لتوّها من الموت وتذهلني والله بأول سؤال ؛ امتى أرجع البيت علشان سايبة واد بيرضع لوحده ! ..
يا الله ..
يا لألطاف الله بعباده الفقراء الضعفاء المخبتين .. وبالأرامل والرضع واليتامي والمعوزين .. و يالرحمته الملقاة في قلب هذه العائدة من الموت لتناجي رضيعها ..
قال صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار ؟ " قالوا : لا والله ، قال : " والله ، للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها ".
تدهمني الأفكار عن كم مرة اسأت الظن في الله ؟ وتمنيت على الله ؟ وصارعت الأقدار بين يدي الله ؟ و كم من مرة جاءني لطف من الله بمثل هذا فانتشلني من مصير محموم ؟ ثم كم مرة أعرض وانسى فلا يتغمدني الله الا بلطف منه وفضل ..
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ "
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة