بكالوريُس كيمياء
ثم استقاموا
شاب يطمح للجهاد والنضال لكنه يستسلم لفراش نومه.
فتاة متبرِّجة متعطرة تعشق نور امرأة محتشمة ملتزمة.
شاب يحبُّ تخطيط مشاريع إسعافية تنقذ أمَّته من الجوع والهوان؛ لكنَّه يعجز عن ساعة مذاكرة أمام صفحات الكتاب.
فتاة تحبُّ أصوات ونبرات مرتلي القرآن، لكن أذنها لا تكاد تفتر عن سماع الأغاني.
شاب عند الفجر في بيت الله راكع، وعند العشاء أمام النرجيلة قابع.
فتاة قبل نومها تقرأ أذكار المساء لتدرأ عنها أضغاث الأحلام، وفي الصباح تهرول لموسيقى تذكِّرها بفتى الأحلام.
أبٌ يأمر ابنه الكبير بالصفح عن الصغير، لكنَّه مترصِّد لهفوة من زوجه فيحقد عليها.
أمٌّ تأمر ابنتها الصغرى باحترام الكبرى، وهي تعجز عن احترام زوجها القدير.
داعية تأمر الفتيات بصون لسانهن عن الغيبة غير أنها لا تضرب الأمثال السيِّئة إلَّا بالجيران.
خطيب يسعى جاهداً لأمر النَّاس بتجنُّب الفتنة والنميمة، لكنه خلال خطبة واحدة ليوم الجمعة يوقظ فِتَن سَنة ماضية وسَنة قادمة.
رجلٌ ينتقد ويحاسب مسؤولين، فيقول: ويلٌ لهم مالُهم حرام، ولكنَّه غفل عن ثروته العظيمة بالمال الحرام.
امرأة تنتقد مستاءة بنات الجيران فتقول: اللهم استر علينا يارب، لكنَّها محقَّة فبناتها أهْلٌ بل وأولى بهذا الدُّعاء.
رجل يأكل بكل دخْلِه شهرياً وينعم، ولكن عندما يُفلس يقول: الله يعين الجائعين، ولو أنَّ لديَّ...... لكنتُ... ثم يتغافل...
سيدة تلبس أجمل الثياب وتشتري أثمنها دوماً، ولمَّا يبلى الثوب تتذكر أن تتصدَّق به.
طالب يتمنى إتمام تفوُّقه بحفظ كتاب الله لكنَّ السَّهر في الملاهي الليليةِ يعجزه.
طالبة ذكية تنصح رفيقاتها بالجدِّ والمثابرة والتعلُّم، لكنَّها تخمل أمام الدراما والرُّومنسيات.
فالكل يتمنَّى ولا يتهنَّى، ويطمح ولا ينجح.
• إذاً ما الحلُّ أو بالأحرى ما المشكلة؟
- المشكلة تكمن في تجاهلنا لعظمة الله، وتغافلنا عن غايته في خلقنا متناسين قوله: (وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)، وعدم مراقبتنا ومحاسبتنا لأنفسنا وتركها كالدابه ترعى بلا حدود وتقبع لما تشبع!
- أما الحلُّ فهو الاستقامة! وما الاستقامة إلا نقطة التقاء العديد من السبل، وإنَّ أوَّل سبيل هو أن نُبصر وصايا الله ورسوله، ونؤمن بها ونعمل بها قبل أن نَشرع بأي عملٍ صَغُرَ أم كَبُر استسلاماً لعظمته وطمعاً بجنَّته, ومن ثم علينا أن نتفكَّرَ في الوقت ونستثمره إذ قسَّمه الله عزَّ وجلَّ لليلٍ ونهارٍ، وهُمَا أيضاً مقسَّمان لأوقات وساعات وفترات، وما ذلك إلا لتهون علينا الحياة، وتلين وتبدو أكثر بساطة وحيوية وجمالاً, فمثلاً الثلث الأخير من الليل هوَ للتهجد والدُّعاء ومناجاة المولى، وعند الفجر صلاة تبعث في المهجة الحبَّ والنشاط، وفي وقت البكور تصحبُنا دائماً دعوة الرَّسول الأكرم بالبركة لنا إذ قال: «اللهم بارك لأُمتي في بُكُورها» وفي النهار سعيٌ وجهادٌ، وفي الليل سكن واطمئنان، وقيلولة بعد الظُّهر تمسح غبار التعب وتُجلي همَّ النفْس, ولعلَّ أقوم سبيل هو ترتيلنا لآيات القرآن الكريم، وتبصُّر معانيها والعمل بمضامينها، فمثلاً لمَّا نفقه معنى قوله عزَّ وجلَّ: (يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فسنستطيع بإيماننا وثباتنا كسر حاجز العجز والكسل، والسعي لطلب العلم أيّاً كان ميدانه...
ولمَّا نفهم معنى قوله تعالى: (ومن النَّاس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)، فسنتخلَّى عن سماع الأغاني؛ لأنها سبيل ضلال وضياع، وسنأوي لنرتل كتاب الله عزَّ وجلَّ.
ولما نتبصَّر عظمة هذه الأية: (أحسِب النّاسُ أن يُترَكوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يُفْتَنون)، فسنتيقن أنَّ المِحنة والبلاء هي التي تكشف معادن الأشخاص، فوجود الأموال والأولاد والثمرات والأرزاق يبصم لنا أنامل يد عُليا أو دُنيا، فيصوِّر نفساً مؤثرة أو أنانية، ولمَّا نعقلْ معنى قوله تعالى: (أتأمرون النّاس بالبِرِّ وتنسَون أنفسَكم وأنتم تتْلُون الكتاب أفلا تعْقِلون)، فسنعلم أننا مُلزَمون أن نهذب أنفسنا ونتفرَّغ لمراقبتها، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، ولمَّا نعِ معنى قوله عزَّ وجلَّ: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنَّة التي كنتم توعدون)، فسنعوذ بدرب الاستقامة لنطرد عنها الوساوس والآثام والفتن، ولننال رضا الله وتوفيقه ومحبَّته، وننعم بالطمأنينة والسكينة والبِشْر. وحينما نتذكَّر قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» فسنضحِّي ونقدِّم لهم كلَّ أفعال الخير بالعون والمساعدة وتنفيذ أوامرهم ونحن فرحون، لأن الله سيجزينا بالجنَّة.
وما أحوجنا في مثل هذه الأيام العصيبة المؤجَّجة بالفتن والشهوات لنستجير بالقرآن كدرب استقامة، لأنَّ القرآن هو دستور الله، وفيه وردت كل القيم التي تولِّد في أنفسنا الاندفاع، فنمتلك عندها الحماس الذي يساعدنا في التفوُّق والنجاح والسَّداد في كل الأمور...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة