باحث أكاديمي | فلسطين
النور والظلام
يتمثل الوجه الأول في الانهيار الواضح لمشروع السُّلطة، والغموض المنبثق عن دلائل الانهيار، والصراع المضطرم داخل أحشاء حركة فتْح بما أنَّها قائدة مشروع السُّلطة، وعلاقة ذلك بالدوائر الصانعة للسلطة شكلاً وموضوعاً؛ الكيان الصهيوني، وأمريكا، ومِن خلفِها المنظومة الإقليمية، والدول العربية، ولا سيَّما الدول الأكثر تأثيراً في هذه المرحلة داخل المجال العربي، والتي يبدو أنها قد باتت في تحالف فِعلي مع الكيان الصهيوني، بعضها لأسباب ناشئة عن دورها الوظيفي التاريخي، وبعضها لحسابات استراتيجية متعلقة بالصراع الإقليمي في المنطقة، وإذا كانت هذه الدول في الأساس مناوئة لمشروع المقاومة في فلسطين، فإنها لم تَعُدْ مَعْنِية حتى بإدارة مشروع التسوية على النحو الذي يحاول أن يحترم الحقوق الفلسطينية.
وهو ما ينعكس اليوم بالحديث المتفشِّي عن مشاريع الكونفدرالية مع الأردن، أي كونفدرالية سكانية دون حلٍّ لقضايا الأرض في الضفة، أو ضمِّ الضفة الغربية للكيان الصهيوني، وتحويل التجمعات الفلسطينية الكبرى؛ أي المناطق (أ) _ حسب تصنيف اتفاق أوسلو _ وما يتصل بها من قرى فلسطينية، إلى كانتونات تدار محليّاً في حدود الخدمات البلدية دون أيَّة مطالب سياسية.
إنَّ ذلك يعني التخلِّي الكامل عن الفلسطينيين، فإذا كان هذا التخلِّي حاصلاً ومتحققاً في حصار مشروع المقاومة، والعداء المُعلَن للقوى الفلسطينية الممثِّلة لهذا الخيار، فإنه بات حاصلاً ومتحققاً حتى بالتماهي المطلق مع الإرادة الصهيونية فيما تراه بخصوص الصراع داخل فلسطين، وقد تجلَّى ذلك في شهر حزيران الماضي (حتى منتصفه وقت كتابة هذه المقالة) بحدثَين مُهمَّين:
الأول: انتهاء مؤتمر باريس للسلام بِبَيان ختامي مُنحاز للرؤية الصهيونية بشكل كامل، لم يتضمن أيَّة إشارات إلى أن حدود الدولة الفلسطينية هي خطوط الرابع من حزيران 1967م، أو أن القدس عاصمة فلسطين، بالإضافة إلى أن البيان " أدان العنف الفلسطيني".
بينما كان الحدث الثاني فوز "إسرائيل" برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة،و الخطير أن هذا الفوز قد تمَّ بتمرير عربي وإسلامي، ولكن دلالته الأهم في فشل كل الرهان على الأدوات الدبلوماسية التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة بعد فشل خيارها الأساسي، وهو خيار التسوية.
ولكن نقطة الضوء وسط هذا الظلام الدامس، تمثَّلت في العملية البطولية التي شنَّها شابّان من مدينة "يطا" في جنوب الضفة الغربية، حينما تجاوزا كل العوائق الأمنية، وتمكَّنا بسلاحهما المُصنَّع يدويّاً من اقتحام قلب مدينة تل أبيب، بجانب مجمع وزارة الحرب الصهيونية، وقتْل أربعة صهاينة من بينهم ضابط في وحدة خاصة داخل جيش العدو، وكذلك رئيس "مركز دراسات دولة إسرائيل"، لتُذكِّر هذه العملية، بنمط من المقاومة سادَ في الفترة التي توسّطت ما بين أواخر الانتفاضة الأولى وحتى قبل سنتَين على الانتفاضة الثانية، فقد تميَّزت تلك الفترة بالعمليات العسكرية المتفرقة، ويبدو أن هذه العملية تُشكِّل ملمحاً أوليّاً لبداية تحوُّلٍ نحو هذا النمط في المرحلة القادمة.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة