حاصلة على شهادة ليسانس في الدراسات الإسلامية - لبنان
اليد العليا خير
إعداد: ناريمان يوسف سنتينا
عمر ماجد سعد
منذ حوالي العام أجرت الأخت منال المغربي الكاتبة والمحررة في مجلة منبر الداعيات تحقيقاً عن التسوُّل، وكانت النتيجة التي وصلت إليها "أن التسوُّل بات مشكلة تنذر بتداعيات وخيمة على المجتمع اللبناني بأسره، لذلك يجب معالجتها قبل استفحال خطرها".. واليوم تعود المجلّة وتعرض مشكلة التسوُّل التي باتت مستفحلةً بشكلٍ كبيرٍ وخطير.... من خلال هذا التحقيق...
كيف كانت البداية؟
عندما كنت أسير في أحد شوارع مدينة صيدا؛ وجدت امرأة تفترش الأرض مع ابنتها التي لم تتجاوز السادسة من العمر. فاستوقفني المشهد لأسألها من أين هي؟ ولماذا تنام في الطريق؟ وبعد الاستماع إليها والتحقّق من وضعها بمساعدة بعض الإخوة.. تواصلنا مع جمعية التعاون الإنساني لتأمين المأوى لها وكل ما يلزمها. وكانت المفاجأة أنها رفضت الانتقال إلى ذلك المأوى، وبكل صراحة قالت أنها تريد البقاء في الشارع لأن الناس يتصدقون عليها، والجمعية لن توفر لها ما يعطيها الناس إياه أثناء وجودها في الشارع كما وأنها ليست لبنانية ...
وتبيّن لنا من خلال اعترافات المتسوّلين الذين يتم القبض عليهم لدى القوى الأمنية أنّ يومية المتسول تتراوح ما بين 40$ للطفل و300$ لمن تبيع الهوى.
وللوقوف على الحلول لهذه الظاهرة طرقت أبواب الجمعيات العاملة على الأرض، والتي تعالج مشاكل التشرد لمعرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة والمعوقات أمام الحلول.. فكانت اللقاءات التالية:
جمعية التعاون الإنساني .. تعاون بلا حدود
- اللقاء الأول كان مع الدكتور فادي شامية رئيس جمعية التعاون الإنساني الفاعلة والناشطة في مجال المساعدات على صعيد الإيواء بالدرجة الأولى، وغيرها من المساعدات سواء للسوريين أو اللبنانيين أو الإخوة الفلسطينيين... والذي دار معه الحوار التالي:
1. منبر الداعيات: بداية دكتور فادي هل كان لجمعية التعاون الإنساني تجربة في مجال معالجة موضوع التسوُّل؟
• الجمعية لم تطلق مشروعاً لمعالجة التسوّل، ولكن كان عندنا حالات فردية عالجناها. وتبيّن لنا أن هناك صعوبة في القضاء على هذه الظاهرة دون تعاون مؤسسات المجتمع المدني كله، إضافة إلى القوى الأمنية والبلدية. لأن معظم الذين يعملون على التسوّل ليس لديهم رغبة في ترك هذه "المهنة" حتى لو قدّمت لهم المساعدة. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على جهلٍ وتحطمٍ في الوضع الاجتماعي. وهناك مشكلة الإيواء؛ حاولنا معالجتها لكننا لم نستطع؛ لأن الشخص المتسوّل يكون مرتاحاً في الشارع حيث يستدرّ العطف ويعيش من هذه "المهنة" وهذا هو نمط عيشه.
2. منبر الداعيات: لماذا لا تستطيع الجمعيات والمؤسسات الأهلية حل المشكلة؟
• لأن موضوع التسوّل يحتاج إلى توعية المتسوّلين إلى مخاطر التسوّل، وحزمٍ من قِبَل الجهات الأمنية لمنعهم من النزول إلى الشارع، وجهات تؤمّن لهم البدائل كمأوى ومال وطعام وشراب، علماً أن الذي يتسوَّل ليس عنده مشكلة ضعف في التغذية.. المشكلة هي أنهم أناس استمرؤوا هذا النمط من العيش، فهم بحاجة لعلاج توعوي ونفسي اجتماعي.. فالمشكلة تحتاج لأطراف متعددة تكون كلها متعاونة مع بعضها، تشكّل مجموعة حلقات تخفِّف أو تقضي على ظاهرة التسوّل. في اعتقادي جمعية لوحدها لا تستطيع القيام بالمهمة، والسلطة لوحدها لا تستطيع القيام بالمهمة..
3. منبر الداعيات: من خلال جولاتك دكتور فادي في الوطن العربي والإسلامي؛ هل ظاهرة التسوّل موجودة في هذه الدول خاصة بعد أزمة اللاجئين السوريين؟ وكيف تتم معالجتها إن وجدت؟ وما هي أساليب هذه الدول في المعالجة؟
• الدول المتقدمة في السلم الاجتماعي تمنع التسوّل وتحدّ منه اجتماعياً، وهي تملك أساليب علاجية ومؤسسات رعائية وسلطة مركزية قادرة على الحدّ من هذه الظاهرة... فكل دولة من هذه الدول عندها قانونها الخاص الذي يمنع التسوّل، لكن المنع لا يقابله الحبس وإنّما يقابله الإحالة على المؤسسات الرعائية لتأهيله اجتماعياً، إضافة إلى تقديم المساعدات اللازمة... الأمر الآخر أنَّ الناس في تلك الدول تعي أن الدولة تقوم بواجبها، وأن هذا الشخص محتال، وبالتالي لا تتفاعل مع المتسوّل.
الأستاذ ماجد حمتو... طريق ذات الشوكة.
- اللقاء الثاني كان مع الأستاذ ماجد حمتو رئيس تجمع اتحاد الجمعيات الأهلية في صيدا، وأمين سر المجلس الأهلي لمكافحة الإدمان، وصاحب مشروع متكامل وخطة عملية للقضاء على ظاهرة التسول. حيث تكلم الأستاذ ماجد عن المشروع والخطة، وأهم المعوقات. وتنقل منبر الداعيات ملخصاً عمّا جاء في الحوار معه.
- تحدث الأستاذ ماجد عن المشروع قائلاً:
"من أجل معالجة ظاهرة التسوّل قمنا بتحليل هذه الظاهرة من خلال استمارات شكّلت دراسة مفصلة عن ظاهرة التسوّل... أجرينا خلالها لقاءات ومقابلات مع المتسوّلين... بعدها سألنا الجهات الأمنية عن سبب تواجد المتسوّلين في الشوارع .. فكان الجواب أن القوى الأمنية تستطيع احتجازهم، ولكن لا تستطيع تحمُّل أعباء تأمين حاجاتهم داخل السجن، لذلك تعاود القوى الأمنية إطلاق سراحهم فيعودون إلى الشارع للتسوّل...
لهذه الأسباب كانت فلسفة مشروعنا قائمة على أن هؤلاء المتسوّلين يجب أن نخرجهم من الشارع؛ ولكن ليس إلى السجن، بل إلى مكان يتمّ فيه تأهيلهم وبناء قدراتهم، وتعليمهم مهنة، وتعديل سلوكهم الشخصي، كما ويتضمن المشروع العمل على إقناع أهلهم بعدم التسوّل كي لا يدفعوهم نحوه. المجتمع الأهلي بكافة مؤسساته مستعد لتأمين التأهيل اللازم لهؤلاء، من تدريب وبناء قدرات وتعليم إلخ .. فهو قائم على برنامج مهني معجل يضم كافة أنواع المهن.. ولكن العائق أمام تنفيذ المشروع كان المال ... فبعد عرض المشروع على المنظمات الدولية والأممية للحصول على التمويل للمشروع كان الجواب أن المنظمات اليوم لا تقدم دعماً مالياً للمشاريع التنموية، هي تعتمد فقط البرامج الإغاثية. حاولنا الحصول على التمويل من جهات أخرى فلم نستطع توفير الدعم المالي.. لأن الدعم الذي نريده ليس لعدة أشهر كما يحصل في البرامج الإغاثية، الدعم الذي نريده هو دعم مستمر يحدث التغيير والتنمية الفاعلة في المجتمع، فالدعم المالي الذي نحتاجه هو لعدة سنوات وليس لأشهر.
- ما هو الحل؟
الحل دائماً لأية مشكلة يحتاج إلى إنشاء مشروع استثماري؛ من خلاله نوفر المال اللازم لدعم المشروع الإنمائي والاجتماعي الذي سنقوم به، بحيث لا ينتهي المشروع ويتوقف بتوقف المساعدات، تماماً كالفكرة التي قامت عليها الأوقاف عبر العصور الإسلامية الماضية. ففي تاريخنا كان الأثرياء في المجتمع ينشئون مشاريع لمساعدة المسلمين، ولكن يرصدون لها الأراضي الزراعية التي تنتج الثمار حيث يتم بيع الثمار، والصرف على هذه المشاريع التي كان دورها تنموي... لذلك علينا أن نطبق الفكرة نفسها في مشاريعنا. كما ويجب أيضاً أن يأخذ أهل الفقه موضوع الفتاوى وتجديدها بما يتناسب مع مشاكل العصر على محمل الجد، وتقديم ما يحل مشاكل المجتمع وينهض به، فعار علينا أن تحدث في مجتمعاتنا أزمات نحتاج لرصد المال اللازم لحلها ومن ثم لا نستطيع التصرف بهذا المال، لأن المتبرع يريد دعم اليتيم فقط.
وختاماً.. إن الله تبارك وتعالى خلقنا لأجل غاية عظيمة؛ وهي عمارة هذه الأرض بالخير ... وعندما خلق فينا الرغبة للطعام والشراب لم يكن ذلك لغاية الطعام والشراب في ذاتهما؛ وإنما ليساعدنا الطعام والشراب على القيام بواجباتنا في عبادة الله وعمارة أرضه بالخير ...لذلك علينا أن نغير من مفاهيمنا في بذل الصدقات، وأن لا يكون الهدف فقط تأمين الطعام والشراب، بل أن تضاف إليها صدقات تبني الأمة وتنهض بها في سُلَّم الارتقاء الحضاري. وأن لا ينحصر التفكير في اليتيم فقط، بل أن نتوجه إلى فئات رغم وجود آبائها إلا أن معاناتها تفوق معاناة اليتيم... منها التسوّل والتشرّد...
نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ..
وإلى لقاء مع تحقيق قادم لمشكلة أخرى ...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن