هو القلب...
كتب بواسطة رفيدة فكري
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1595 مشاهدة
رأيتها تموء مواء عالياً، عميقاً، فيه نغم
اقتربت منها وسألتها: ما بك حبيبتي؟؟
ردت بمواء دون أن تنظر إلي، رأسها محني للأسفل مشغولة بشيء..
اقتربت أكثر لأرى ما يشغلها.. رأيت طفلها الأبيض الصغير ذي العينين الرماديتين محني تحتها..
فقلت لها: ما بك يا ماما؟ وما به ابنك؟
راقبت المنظر دون أن أفهم، نظراتها طائشة حائرة، عيناها واسعتا المدى.. أنفها مليئ بالتراب والسواد..
تلعق صغيرها البديع وتشمه بقوة،استغربت المنظر فأمسكت بالصغير لأرى ما به..
وجدته متشنجاً وعيناه غارقتان بدموع جافة!! حركت يده لكنها يابسة قوية لا تريد الحراك!! قلقت أنا الأخرى، فأخرجت صوتاً كصوت القطط الذي دائماً يخرج مني.. ثم أجده مسرعاً يقفز لكي يرى على ماذا أناديه!!
لكنه لم يستجب! ولم ينظر لي حتى!!
خفت، خفت كثيراً وأصبحت أبكي وأناديه ليتحرك، بكيت مفجوعة منه مرمياً على الأرض لا يتحرك، ومفجوعة من أمه التي أصبحت تجري وتقفز وتموء كالمجنونة!! أناديها هي الأخرى فلا ترد علي! تجري
بطريقة تائهة!!!! تهت معهما..
عادت إليه تشمه وتلعقه بقوة شديدة كأنها تضربه ليستيقظ.
تضع فمها على عينيه، تعض له ذيله، تنتظر منه صوتاً صغيراً كأنه اللعبة إذا سمعتموه،
كان صوته في كل مكان، صوت متواصل متناغم مزعج بجمال!! كم أزعجني في نصف الليل، وكم أزعجها حين لعب فوقها وكأنها مدينة ألعاب لديه، ينط ويمسك ذيلها ويعضه، وعندماتتعب من السهر، تضربه؛ فيسكت!! أراها الآن تريد منها أن يعض ذيلها!! تريد منه أن يزعجها في ليلها.. لكنه لن يفعل ..
وقفت أنتظر منها ماذا ستفعل..
تعبت من كل شيء وكل حركة التي جعلها عقلها الصغير ان تفكر بها، لطبقتها عليه.. حتى توقفت الحركات كلها.. ثم قرفصت نفسها بجانبه وبقيت جالسة دون حرااك، تنتظر أن يستيقظ بعد فترة!! انتظرت منها أن تهدأ وأبعدتها عنه، أمسكت به لأدفنه، بكيت طول طريقي عليه.. دفنته وانتهى الأمر.. عدت لأراها وأطمئن عليها، وجدتها تنبش التراب في نفس المكان الذي تركته فيه!! تنبش التراب وتدور في البقعة التي كان مرمي فوقها، تنبش التراب وتموء بحسرة مؤلمة، عيناها لا تستقر في مكان.. لاحظت وجودي، فأتت مسرعة تستعين بي، تتمسح بي.. تعلم جيداً هي أني أكبر وأعلم وأقدر منها على ما هي عليه،، مسحت نفسها في قدمي، حملتها وحضنتها بقوة لصدري وبدأت أجري أبتعد عن المكان.. أجري وهي تنظر لي بملئ عينيها، تنتظر مني قوة جبارة أعيد فيها ابنها لها!!
أخيراً حبستها معي في الغرفة، جهزت لها سريرها ومكانها المعتاد تحت لحافي الزهري، من كثر حبها لذلك اللحاف الخاص بي، وضعت أولادها عليه بعد ولادتها مباشرة! تظن أنه لها وملك لأطفالها!
بقيت بجانبها، أمسح عليها بحنان بالغ.. أهدئها بعد كل مواء، أحضنها وأغطيها وأطبطب عليها لتنام.. لكني لم أتوقع أبداً بأنها لن تنام تلك الليلة!! وبأنها ستمرض أسبوعاً كاملاً تمتنع فيه عن الطعام والشراب!!
كل يوم تذهب لنفس المكان تصرخ وتنادي وتموء وتبكي ثم أخذها وأعيدها عندي..
هي الأم...!! هي الحيوانة الأليفة الجميلة...!! هي التي تمتلك قلباً رغم أنها لا تملك عقلاً..!!
تأكدت الآن تماماً أن صاحب القلب يعيش أفضل من صاحب العقل..
صغيرتي، حبيبتي، قطتي، يا صاحبة أجمل قلب.. كيف أفهمك أن هذه حال الدنيا!! أن الدنيا تعطي ثم تأخذ ما أعطت، لكن الله كريم حنون.. احتسبي أجرك لله ..أحبك وأحبك طفلك الصغير، وسأبقى بجانبك فلا تبكي صغيرتي.. لا تبكي يا قطتي ..لا تبك أيتها الأم...!!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة