التفكير السليم
لا يحتاج الواحد منا إلى مزيد تأمُّل حتى يكتشف مدى التخبط والاضطراب الفكري الذي يعاني منه مجتمعنا بشكل عام، سواء في الأفكار أو في منهج التفكير، هذا الاضطراب الذي ينعكس تأثيره بشكل كبير على علاقات الأشخاص فيما بينهم، وعلى نتاج المجتمع كوحدة متكاملة وأمة واحدة، ومن أهم هذه الاضطرابات في المنهج الفكري ما ورد في الآية الكريمة: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ * وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ).
حيث ينطلق هذا الاضطراب والتخبط من:
- عدم قبول الحق: لأن غيرهم ممن ينظرون إليهم نظرة دونية قد آمنوا به، إذن الحق عندهم مرتبط بمن يعتنقه، ويدعو إليه، وليس مرتبطاً بذاته كونه حقاً.
ولابد لنا وأن نتعلم كيف نَقبل الحق حتى وإن كان من عدوِّنا، أو خصمنا، ولنا فيما حصل خلال الانقلاب في تركيا عبرة عظيمة، حيث وضعت المعارضة موقفها من الرئيس أردوغان جانباً، ودعمت الشرعية وهي التي تعبِّر عن الحق ورفضت الانقلاب حتى وإن كان على غريمها التقليدي.
في الحقيقة كُلّ منا قادر على أن يميِّز بوضوح هل رفضَ هذا القول أو هذا التصرف لأنه مرفوض بحد ذاته، أم رفضَه لأنه صدر من فلان الذي لا يحبه، أو يحسده، أو يبغضه..
- الاستكبار: اعتبروه إفكاً قديماً، ونفوا عنه صفة كونه حقاً، فقط لأنه لا يناسب أهواءهم.
ولكن كيف لنا أن نعرف ذلك؟
إن كنتم ممن يبحثون عن الأدلة والوقائع، ويحاولون معرفة ما حصل بشفافية، يحللون الأمور ويحاولون فهمها، ومن ثم يبنون على ما وصلوا إليه موقفاً، ويكوِّنون فكرةً عن الحدث، فأنتم حينئذ ممن يتبعون الحق.
أما إن كنتم ممن يتبنَون فكراً، ويجنح هواهم في اتجاه معين، ومن ثم يبحثون في الوقائع والأحداث، بل وحتى في الأشخاص، عمن يؤيد أفكارهم، فاعلموا أنكم جعلتم الحق تابعاً لهواكم، واعلموا أنه لابد وأن تجدوا من يؤيد فكرتكم، فدوماً هناك ببغاوات تصفق وتطبل، سواء من المحسوبين على علماء الدين، أو من الإعلاميين، أو المصلحين الاجتماعيين، لذا فإن وجودهم لا يعطي ثقلا ً لرأيكم بالفعل.
وأقول لكم حتى وإن لم تجدوا من يدعم هواكم على أرض الواقع، فمؤكد أنكم ستوجدونه في أنفسكم المريضة، أما ما يخالف آراءكم، ويضرب بأمنياتكم عرض الحائط، حتى وإن كان مدعوماً بأقوى الأدلة، ومسلحاً بأدمغ البراهين، فإنكم تصفونه بـ" إفك قديم".. "غير صحيح".. "غير حقيقي" فأنتم عندئذ جعلتم الحق تابعاً لأهوائكم.
وهذا المنهج يتجلى بشكل كبير في مجتمعنا، ورأيناه كثيراً في الأحداث الأخيرة التي عصفت ببلادنا.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة