قرطبة.. مسجد بيع بِفَلس
كتب بواسطة ياسين بن حمودة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
3148 مشاهدة
إذا سألت أحد الحراس المنتشرين في فناء البرتقال انتشار النار في الهشيم عن مكان بيع تذاكر زيارة المسجد فسوف تلقى جوابا جافا عدوانيا يذكرك بأنك سوف تزور الكاتدرائية لا المسجد، رغم أن الجميع في قرطبة يسمي البناء الفخم الذي يقع على جنب نهر الوادي الكبير مسجد قرطبة. التذاكر تباع في شباك صغير تديره راهبات تابعة للكنيسة القرطبية والطوابير لا تنتهي إلا مع انتهاء موعد الزيارة. أليس المسجد هو المكان الأكثر زيارة في مدينة قرطبة الحديثة؟
المناشير والكتابات تذكرك في كل موقع وحين أنك داخل إلى مكان ديني مسيحي مقدس لهذا فقائمة الممنوعات طويلة ومملة يحظر رفع الصوت، يجب الاحتشام في اللباس، يمنع التصوير بالثابت، يمنع أداء شعائر دينية غير مسيحية.. إلى غير ذلك من الإرشادات التي إذا حدثتك نفسك بنسيانها أو تناسيها فسوف تجد جيشا من الحراس الخواص الذين وظفتهم الكنيسة لتذكيرك وغالبا ما يكون التذكير عنيفا ومرفقا بالطرد.
مسجد قرطبة تحول إلى كنيسة مباشرة بعد تسليم قرطبة إلى فرناندو الثالث سنة 1236 م وشرع المسيحيون في إجراء تغييرات في داخله لإعطائه وجها كنسيا يضعه في مقام العمران الديني المسيحي، ولكن كل التعديلات الطارئة عليه كانت كارثية وأنقصت من قيمته العمرانية وجعلته مزيجا بشعا لا يظهر جماله إلا في الأماكن التي انفردت بطابعها الإسلامي الأصلي، احتفظ المسجد باسمه رغم محاولات الكنيسة تعويد الناس على تسميته بالكاتدرائية ولكن بقي الاسم الشائع على لسان العامة من الإسبان هو مسجد قرطبة حتى طفا إلى السطح جدل حول ملكية المسجد وإعادة تسميته الرسمية في السنوات الأخيرة.
غيرت حكومة أثنار اليمينية القريبة إلى التطرف والتي شاركت في غزو العراق سنة 2003 قوانين تسجيل العقارات التابعة للكنيسة في سنة 2006، حيث صار للكنيسة الحق في تسجيل الملكية الشكلية في ديوان العقارات وفي مديريات الجباية مما يعطيها الحق في التصرف الكامل والتام في كل عقار تسجله. وهذا ما قامت به الكنيسة مع مسجد قرطبة حيث قامت بتسجيله في ديوان العقارات مقابل دفع رسم التسجيل بقيمة 30 يورو وتأكدت ملكية الكنيسة للمسجد بعد فوزها في القضية التي رفعتها ضدها البلدية التي طالبت بحق الملكية العامة للمسجد ولكن القضاء أكد ملكية الكنيسة للمسجد سنة 2015.
هذا التغير القانوني في وضع المسجد له أثر كارثي على مستقبل المسجد حيث شرعت الكنيسة في تذكير الجميع بأنه كنيسة فقامت بتعليق مئات الصلبان في كل زوايا المسجد، وهي تحضر لبناء زوايا تعبدية جديدة في داخله كما شددت من شروط زيارة المسجد خاصة على المسلمين وغير المسيحين، وباتت زيارة المسجد غير مريحة تماما في ظل المراقبة اللصيقة للحراس الخواص والنظرات الاستفزازية لأغلبهم، ناهيك عن تقليص ساعات الزيارة وحظرها في المواعيد الدينية المسيحية.
الجدل في إسبانيا قائم حول ملكية المسجد وخاصة حول تسيير مداخيل المسجد حيث زاره سنة 2015 أكثر من مليون وستمائة ألف شخص دافعين ما يفوق ال 13 مليون يورو، هذه الأموال غير مسجلة وغير مقيدة في إدارات الضرائب وتذهب مباشرة إلى مكتب عميد القساوسة في قرطبة كل مساء ولا يتحصل مقتني التذاكر على أي وصل بقيمة الشراء ولا فاتورة ولا أي وثيقة تثبت صرفه للمال مقابل دخول الكنيسة، كما أن الكنيسة تسمي القيمة التي تدفع مقابل دخول الكنيسة عطية وصدقة رغم أنها تثبت في ورقة الدخول أنها تذكرة دخول.
كما يتحدث المناوئون لملكية الكنيسة للمسجد عن عملية تهرب ضريبي واضح حيث لا يوجد أي دليل على مداخيل الكنيسة من المسجد إذ تباع التذاكر نقدا فقط وتوضع في أكياس مغلقة تحصى داخل الكنيسة وحسب.
مسجد قرطبة هو أحد أهم معلمين إسلاميين في الأندلس الإسبانية مع قصر الحمراء وهو مسجل في لائحة التراث العالمي للإنسانية ولكن هذا لم يمنع أنه بيع للكنيسة بفلس، وأننا ربما سنشهد أثر التعصب المسيحي قريبا على ما تبقى من المعلم الإسلامي الأموي الخالد في غرب أوروبا
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن