طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
قرار
استيقظتُ صباحاً وجدْتُ ما حولي مظلماً وقاتماً. انتظرْتُ بزوغ الشَّمس، فأنارت عوالم من حولي، ولكنَّها لم تُنِرْ عالمي. مضيتُ في يومي عابساً متجهِّماً، ولم أجدْ في طريقي ما يدفعني للابتسام. تعثَّرتُ بحجرٍ على الطَّريق، وكادت سيَّارة مسرعة أن تدهسني، ولكنَّني لم أستغرب هذا أبداً، فحياتي مظلمة ولا أرى أمامي جيِّداً. دخلْتُ المدرسة التي أعملُ فيها، فزاد صوتُ الأطفال من تجهُّمي، وتذكَّرتُ مدى كُرهي لمهنتي. وقفتُ في غرفة الصَّفِّ أراقبُ التلاميذ في الملعب وهم يركضون بمرح، كانت حرارة الشمس تلامس أجسادهم الرَّشيقة فتزيدهم حيويَّة. دخل التلاميذ الصَّف، فانتشرتْ حيويَّتهم في زواياه، وأشرقت شمسُ أرواحهم النَّابضة في الحياة فوق أرجائه... فوجدْت الصَّف مشرقاً باستثناء المكان الذي أقف فيه. حيَّيتُ التلاميذ بابتسامةٍ جاهدتُ نفسي كي أرسمها، وشرعْتُ بإعطاء الدَّرس.
عدْتُ إلى المنزل ودخلْتُ غرفتي وأغلقتُ الباب. كان الظَّلام يحيط بي من كلِّ جانب. أمسكتُ هاتفي ولم أجدْ إلَّا القبيح من الأخبار: قتل، دمار، جرحى، تشريد... ألقيته جانباً، وأحسستُ بقطراتٍ تهطل على وجنتيَّ. "أأبكي أنا يا ترى؟" مسحتُ هذه القطرات وأدركتُ بأنَّها لم تكن دموعاً... نظرْتُ فوقي فوجدْتُ سحابة سوداء قاتمة تمطر زخَّاتٍ خفيفة. أحسستُ بالانزعاج لمجرَّد النََّظر إليها، فخرجتُ من غرفتي إلى الشُّرفة، فلم تبرح السَّحابة معلَّقةً فوق رأسي!
أدركتُ حينها أن الظَّلام الذي كنتُ أعيش فيه هو بسبب تلك السَّحابة التي لا تفارقني، بل تلك السَّحابة التي لا أفارقها... أردْتُ أن أتغيَّر تغييراً جذريّاً، ولكنَّ الظلام الذي يحيط بي ثبَّط من عزيمتي. نمتُ ذلك المساء ولم تزدد الحياة إلَّا ظلاماً. ولكن قبل شروق الشمس، استيقظت في اليوم التَّالي وشكرت الله على نعمة الحياة التي يحرم منها المئات كلَّ يوم تعسُّفاً... أضاء هذا الشُّكر شعلةً بدَّدت القليل من الظلام. وعند شروق الشَّمس، فتحت قلبي الذي كنت قد أهملته منذ سنين، فتحتُ قلبي لأتلقَّى دفء الشَّمس، وتأمَّلت في الشروق وشكرت الله الذي جعل من كل يوم بداية جديدة، أضاء هذا الفكر شعلة أمل...
ذهبتُ إلى المدرسة وأمطتُ حجراً في طريقي، فأضاءت شعلةٌ أخرى. تأمَّلت في مهنتي فوجدتها المهنة الأسمى، فتوحَّدت كل الشُّعل وأصبحت شمساً تبدِّد كلَّ ما حولي من ظلمة، وتنشر الدفء والسَّعادة حيثما حلَّت. دخل أطفالي الصَّف حزانى لنيلهم عقاباً من قبل أستاذٍ آخر، على رأس كل واحدٍ منهم غيمة سوداء... ولكنَّ شمسي طغت عليهم، وأشعلت فيهم روح الحماس من جديد، فعادوا أفضل مما كانوا عليه من قبل.
كتبتُ على السُّبورة "كلٌّ منَّا قد يحمل شمساً أو سحابة سوداء فوق رأسه من صنع يديه، فاحذر أن تغرق في ظلامٍ صمَّمته لنفسك، فذاك قرار..."
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة