بكالوريُس كيمياء
إنه الله!
على أعتاب النصح أُلقي اليوم عتابي على أشخاص ازدروا العلم وتجاهلوه، واحتمَوا بالجهل وحضنوه، فركنوا عند أبوابه صمّاً وعمياناً، يتذرَّعون بعبارة: الحمد لله عايشين أحسن من غيرنا. قلوبهم ذابلة يائسة منهزمة أمام عظمة الصبر، فأنَّى لهم أن يعبدوا الله حقَّ عبادته ويصطبروا في تأدية الطاعات. وأنَّى لهم مواجهة المصائب والتصدي للفساد؛ وهم الذين يتغافلون عن الاستماع لمحاضرات وندوات _ دينية وغير دينية _ توجِّه سلوكيَّاتهم، وتبيِّن لهم أهمية معرفتهم لله الذي ما خلقنا سدىً؛ بل للعمل والإصلاح، فانتُزع منهم اليقين وغدوا في الشكِّ حائرين، فتضاريس وجوههم تفسِّر إعياءهم، والهمُّ يطحن أجزاءهم، والشقاء ينهش أعضاءهم، فحبذا لو أن كل إنسان أدرك جوهر العلم، وسعى له حبواً، وإني لا أحدُّه بباب، ولكن أتوجَّه وأزكيِّه بباب معرفة الله، فبِهِ تستقرُّ النفس البشرية وتطمئن؛ لمَّا تمتلئ بالإيمان، وتُصقل بالإحسان، وتنطلق حرة أبية قوية لفتح سائر الأبواب.
بالعلم بالذات الإلهية تصدح النفس بعبارة: إنَّه الله، فتحلو الحياة، وتتألَّق الأرواح في أروع حُلَّة لها في الصبر والمصابرة، واقتباس قوَّات إيجابية خارقة كفيلة لدعم الإنسان وتزويده بالأخلاق الحميدة والمهارات العبقرية والجرأة والثقة بالنفس وتحقيق الإيمان والتميز، والقدرة على خوض سائر مجالات العلم ونيل أفضل وأشرف المراتب، فيتطور بذلك المجتمع، ويتمكَّن بنو البشر من جعل أنفسهم خلائف في الأرض؛ بغية تطبيق إرادة الله في الإعمار والنفع العام.
إنَّه الله! خلق سبع سماوات طباقاً، ورفعها بغير عَمِدٍ نراها، وبسط الأرض وألقى فيها رواسيَ شامخات, وجعل الليل والنهار آيتين من آياته، فأشرقت الأرض بشمس ربها، وأضاء الليل بالقمر والنجوم.
إذاً هو الخالق البارئ! أفلا نستحي بأنفسنا العابقة بالخمول والكسل؟! ألا نسعى لنفع خلق الله الذي سخَّر كلَّ شيء من أجل مصلحتنا، وهيَّأ لنا درب الوصال مع بني البشر؟! وهو القائل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّور)، وفي كتابه أَمَرَنا: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه).
إنه الله! خلقنا فأحسن خلْقنا، ولو تفكَّرنا في خلقه ما استطاع عقلنا البشري استيعاب ذلك، فالعينان الصغيرتان اللتان لا يكاد حجمهما يتجاوز حبة لوز؛ نرى العملاق والقزم، البعيد والقريب، وندرك بها الأشكال والألوان، إنَّهما مذهلتان لعظمة وظيفتهما. والأنف كذلك الأمر به نشمُّ كلَّ الروائح، بل وإنَّه يخدمنا في التلذذ بالطعم، فبمرض بسيط يصيبه تكاد أنفاسنا تنقطع ولا نشعر بلذة قط. وماذا عن أيدينا التي نقضي بها حوائجنا، ونتعفَّف عن الحاجة للناس لمَّا نسعى ونعمل بهما فنكسب الرزق، ولمَّا نكتب بهما نوصل أفكارنا وأمانينا. واللهِ لخَلْقُنا أمرٌ عظيم يسحر العقول ويدهش العيون، فحبذا لو نتبصَّر في خلقنا ونشكر الله ونسخِّر أعضاءنا كلها في عبادته ليرضى، فإذا رضي زال الغمُّ وحلَّ الأمل وأعطانا الجنة يوم الحساب، ولا نستطيع أن نعبِّر إلا بقولنا: صُنع الله الذي أتقن كل شيء.
إنَّه الله! الذي حين تناجيه وتفضفض له لست بحاجة لأن تشحن رصيد هاتفك، ولا لتذهب لمكانٍ إرساله أسرع لتتواصل معه بشكل جيد، ولا تتلعثم وتنهمك في اختيار أفضل الألفاظ لكيلا يسوء فهمك، لأنه في الواقع يفهمك.. بل هو الذي قدَّر لنا كلَّ قول وعمل، وهو الذي يغضب لمَّا نتكبر عن سؤاله ودعائه، فكثيراً ما يؤخِّر إجابة دعوات عبيده لأنه يفرح بسؤالهم وأصواتهم النقيَّة التقيَّة، وهو الذي لا تشغله مسألة عبد عن عبد وهو مدبر الأمور. هو الله الجبار القوي الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم. أفلا نفهم بعد هذا كلِّه وجوبَ إتقاننا لأعمالنا وتأديتها على أكمل وجه، وعدم العبث والخطأ فيها بقدر ما منحنا الله من قِوَى.
إنه الله! القادر على كل شيء، يعلم ما نُخفي وما نعلن، إن ابتلانا بهمٍّ أو غمٍّ أو مرض فهو الجليل برحمته، يكفِّر عنا السيئات ويحطُّ عنا الخطايا، ويهيئنا لجنة الخلد؛ التي فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما علينا إلَّا أن نطمح ثم نخطِّط، فإذا عزمنا على التنفيذ توكَّلنا عليه وفوَّضنا أمرنا إليه، فيتحقَّق ما نريد؛ وإن لم يكن بنفس النتيجة التي قدَّرناها، فالله أحكم وأعدل. أليس حريٌّ بنا أن نجلس مع أنفسنا جلسة صفاء ونسألها: ما تريد؟ وبماذا تحلم؟ وإلامَ ترنو؟ فنسطر أجوبتها في صفحات عمرنا، ونعمد فوراً إلى الدعاء والعلم والعمل لنحقق المراد ونحمد الحميد.
وحبذا لو نخصِّص جزءاً من وقتنا في كل يوم لنخلوَ بصفة من صفات الله من حديث داعية على قناة أو نقرأه في كتاب، فوالله سنرى تغييراً جذرياًّ في حياتنا إلى أحسن الأحوال. وما أحوجنا إلى قراءة كتاب الله وترتيله والتفكر في معانيه؛ لنزيح عن مُهَجِنا صدأَ النفاق والتقاعس، ولنعلم يقيناً بأنَّ العلم بالذات الرحمانية والتفقه بهذا الباب هو السبيل الأوحد والأوجد لخَوض سائر المجالات الطبية، الهندسية، الفنية، والاقتصادية بتفوق ومَجدٍ لا يضاهيه مَجد.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن