مشاعر الأمومة لا تباع ولا تشترى
لذَّة الأمومة لا تعدلها لذَّة إلَّا لذَّة الإيمان بالله تعالى، والتذلُّل الضارع بين يديه سبحانه، وذِكر الله، والتلذُّذ بمناجاته وتلاوة آياته، وحبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، والشوق إلى لقائه.. وأين لذَّة الأمومة من لذَّة الوظيفة والمال، أو لذَّة الجاه والسلطان، أو لذَّة الطيِّبات من المطعم والمشرب والمنكح، وسائر ما يتصوَّر الناس وما يتطلَّبون من مآرب الدنيا وشهواتها..؟!
لذَّة الأمومة لا تُباع ولا تُشرى؛ لأنَّها هبة من الرحمن تعالى، ألم يمتن سبحانه على عباده بقوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير)؟! ألم يضرع زكريا عليه السلام إلى ربِّه أن يهبه الذرِّيَّة الطيِّبة: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)؟! ودعا بقوله: (وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا)، ألم يحمد إبراهيم عليه السلام ربَّه على ما وهب له من الولد: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء)؟!
مَشاعرُ الأمومة ولذَّتها تجعل الأمَّ تضحِّي بغير حساب.. تجعل الأمَّ تضحِّي بكلِّ لذَّة، وهي تستلذُّ بتضحيتها، وتستعذب ما ينالها من مشاقٍّ..
مَشاعرُ الأمومة ولذَّتها تجعل الأمَّ تضحِّي بحقوقها، وتصبر على معاناتها مع زوج ظالم جحود؛ لا يحسب لظلمه وعدوانه أيَّ حساب!
مَشاعرُ الأمومة ولذَّتها تجعل الأمَّ تضحِّي بلذَّاتها تجاه أولادها في النوم الهنيء، والمطعم الشهيِّ، وراحة النَّفْس، وهدوء البال.. تجعل الأمَّ الشابَّة المترمِّلة تحبس نفسها على أطفالها، فلا تتزوَّج، وتتخلَّى عن مباهج الحياة ومتعها خوفاً على أولادها من الضياع أو الإهمال، أو فراقهم وبُعدهم عنها.. تجعل الأمَّ تشقى وتكدح؛ إذ ليس من معيل لها ولأولادها في سبيل طعام أولادها وشرابهم وحسن تنشئتهم ورعايتهم..
مَشاعرُ الأمومة ولذَّتها تجعل الأمَّ تقدِّم في لحظة بين يَدَي ولدها ما جمعته من مدَّخرات خلال سنوات، طيِّبة بهذا البذل نفسها، سعيدة راضية، ليدفع ولدها رسم التسجيل في الجامعة، كما فعلت ذلك والدتي معي رحمها الله تعالى وأعلى مقامها في الفردوس الأعلى..
مَشاعرُ الأمومة ولذَّتها تجعل الأمَّ تُضَحِّي، وتُضَحِّي وهي أسعد الناس بما تبذل، ولا ترجو من أحد جزاءً ولا شكوراً.. لأنَّ ما هي فيه من المتعة واللذَّة يفوق كلَّ جزاء وشكران..
وإليكم أيُّها القرَّاء الكرام هذه المشاعر من أمٍّ مُستجِدَّة، دخلت عالم الأمومة منذ سنة، بعد أن كانت تنظر إلى الأمومة نظرة سطحيَّة، وتحبُّ الأمومة وتقدِّرها بمنطق العقل، ومشاعر غامضة باهتة كأكثر الناس..
كتبت كنَّتي الغالية _ السيِّدة حبيبة عويلة _ تحت عنوان «أُمُومة وأُبُوَّة» الكلمات التالية: "إن كان الحب محور حديث العشاق وحكايات الرُّواة، وبه يطرب المغنُّون وترقص القلوب فرحاً بذكره، فهذا كله لا يساوي ضمَّة تضمُّها الأم لطفلها، ولا يساوي قُبلة تهديها له.. كل حبِّ الدنيا لا يُذكر حين نقارنه بحبِّ الأمِّ أو الأب لطفلهما.
لم أكن أتوقع أن أحبَّ أطفالي إلى هذا الحد!
كنت أردِّد بيني وبين نفسي: ماذا يفرق طفلي عن أي طفل آخر؟!
هل تستحق الأمومة كل هذه التضحية التي تقدِّمها الأمهات؟!
تُنهك جسدها وتخسر جمالها ورشاقتها وصحتها، تسهر الليالي وتزداد همومها وخوفها. كنتُ سطحية! أتكلَّم بلسان العقل ولسانِ مَن لم يجرِّب، لم أشعر بأهميتي وقيمتي بقدر ما شعرت بها مع ابنتي، لم أعلم معنى أن تضحِّي بحُبٍّ وبدون ندم حتى جربته مع ابنتي، لم أُعطِ أحداً من البَشر اهتماماً وعطفاً وحُبّاً كما أعطيتُ ابنتي، وأتوقع أن لا أحزن على أحد قدر حزني على ابنتي إن أصيبت بمكروه لا قدَّر الله".
الأمومة ليست كأي شعور في الحياة، ولا تشبه أيَّ حُبٍّ، ولا تُعوَّض بأيِّ شيءٍ آخر، بها تكتمل أنوثة المرأة وسعادتها، وتضيف لحياة الزوجين طعماً رائعاً لا يضاهَى، فتقرِّبهما من بعضهما، ويسعيان سويّاً لإسعاد الأبناء والقيام على راحتهم، وينتظران منهم الجديد ويفرحان به.
ولا عجب _ بعد أن أَوْدَعَ اللهُ تعالى في قلوب الأمَّهات والآباء هذه المشاعر الفطريَّة الرائعة السويَّة _ أن يكون قصارى ما يتمنَّاه الآباء والأمَّهات صلاح الأولاد والذرِّيَّة: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة