الأمومة حقّي
المجتمع الذي يضع يده على بطن المرأة بعد أن تتزوج بشهر متسائلاً (شو مخبتيلنا) والذي يقدّس الحبل والإنجاب كل هذا التقديس .. هو ذاته المجتمع الذي يدير ظهره للطفل وأمه بعد اليوم الأول من الولادة ! ..
مشاهدات كثيرة لم أكن أراها من قبل بت أراها وأفكر طويلاً ..
في المسجد، خاصة في شهر رمضان، كنت أرى ذات المشهد يتكرر دائماً، أطفال يبكون بعد كلمة الله أكبر، ثم تقف امرأة في بداية الصفوف وتقول بأعلى صوتها موجهة أنظارها إلى أمهات الأطفال (الي عندها ولد تصلي بدارها وما تيجي عالمسجد!) وبنبرة حادة جداً وعصبية، فتوافقها بقية النساء..
* لكن ومع كل المساجد التي تبنى حديثاً والتي تكون أحياناً ذات مساحات شاسعة وطوابق عالية .. لا أحد يفكر بتخصيص مكان لصلاة الأمهات، أو بغرفة صغيرة ليلعب بها الأطفال أو بساحة قريبة يمكن جمع الأطفال بها وعمل فعاليات لهم .. فتشارك الأم وطفلها في الحياة الدينية والمجتمعية..
(الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..
على كروت الأعراس توضع دائماً في نهاية الكرت عبارة (نوماً هنيئاً لأطفالكم) أو (يمنع اصطحاب الأطفال) !
* لكن ومع كل القاعات التي تُفتتح كل يوم بملايين الدولارات لا أحد يفكر بإنشاء مساحة ساحة للأطفال لتحضر الأم ويلعب الطفل ويشارك بالحياة العامة ..
(الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..
في حمامات الغرب العامة، حتى في الحمامات "الاسرائيلية"، في المولات والمتاجر الكبيرة وأماكن التنزه، دائماً ما أرى مكاناً مخصصاً لتغيير حفاضات الأطفال، وبصراحة مطلقة لم أرى هذه القطعة البلاستيكية الصغيرة، التي لا تكلف أي عبء مادي مثبته في أي حمام عام دخلته في القدس والضفة !
(في الحقيقة، تلك القطعة البلاستيكية تستطيع إخبارنا أن المجتمع الذي نعيش به فعلاً لا يرى أن الأطفال يشكلون نصف تركيبته السكانية وبأنهم يحتاجون الحمام مثلنا !).
أو أن (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..
في الوزارات، في المدارس، في الجامعات، في المراكز الصحية، في المراكز الرياضية الضخمة بالغالب يتم التفكير بكل شيء، يتم الإنفاق على كل شيء، إلا فكرة وجود حضانة داخل هذه المؤسسات لأبناء العاملين أو المشاركين، فيبقى الطفل تحت عين أمه في الاستراحات فترضعه وتطمئن عليه ..
(الأسهل دائماً أن نوظف فتاة لم تصبح أماً بعد .. أو (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت) !
الكثير من الصديقات يخبرنني بأن الحافلة في الكثير من الأحيان لا تقف لهم لأن في جعبتهم طفل وعربة !
من الأسهل عمل مطعم أو متجر ملابس في هذه البلاد، لكن لا أفكار خلاقة لعمل مؤسسات تستهدف الأمهات وأطفالهم لعمل أنشطة وفعاليات مختلفة ..
كانت دائماً تتردد على مسامعي عبارة من الأمهات مفادها (حابة أشارك، حابة أروح، حابة أعمل .. بس وين أروح بالأطفال!) ..
الآن فهمت ..
هي غير مقبولة بالعمل، بالمسجد، بقاعة الأعراس، بالنادي الرياضي، بالحمامات العامة، في الشوارع التي لم تهيء يوماً لتسير عليها عربة طفل !
الحقيقة تقول أن المجتمع الذي يضخ كل هذا الكم من الأطفال كل يوم .. هو في الحقيقة لا يراهم !!!.. أو دائماً ما يختار الحل الأسهل بإنهاء حياة المرأة العامة .. لتجلس في بيتها .. مع الكثير من العبارات الدينية والوعظية (بدكم تسيروا أمهات ببلاش .. الي ما بدها اضحي ما تخلّف).. وكأن التضحية تعني الانعزال ..
الأم التي تريد أن تنجب 4 أطفال على سبيل المثال، يعني استغراقها في حياة الحضانة الأولى ما لا يقل عن 10 سنوات .. ولا عقل أو منطق يقول بأن عليها الإنعزال كل تلك المدة .. والأطفال الذين نعول عليهم بأحلامنا من حقهم أن يكونوا بيننا في حياتنا العامة ولا يعني أن ننهي دائماً وجودهم في أي حيز يجمعنا نحن الكبار ..
لا أريد شيئاً سوى،،
أن يخفض المجتمع رأسه قليلاً ليرى قامات صغيرة هي في الحقيقة أقدام أطفالنا .. وأن يرفع رأسه وجبينه قليلاً فيحتوي المرأة الأم التي وضع الله الجنة تحت أقدامها ..فيكرمها كم تستحق أن تكرّم !
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة