متخصّصة في مناهج تعليم اللغة العربية، كاتبة في مجال التربية | باريس
الإعلام والتسويق السياسي
كتب بواسطة نجيبة بلحاج ونيسي
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1955 مشاهدة
المتأمِّل في الممارسة السِّياسيَّة المعاصرة يعلم جيِّداً أنَّها تخضع للأقوى اقتصاديّاً في العالم، وهو الَّذي يخطِّط ويملك أن يطوِّع وسائل الإعلام لخدمة أهدافه. والشُّعوب الَّتي تربَّت على أن تكون مستهلكة على كلِّ المستويات وبدون رويَّة؛ تؤمِّن لما يروَّج، ومقياس الحق الجهة المخطِّطة أو الأغلبيَّة الموجّهة ابتداءً..
كثيراً ما كنَّا نسمع مَن يتحدث عن "الاشتراكيَّة" وكأنَّها معبود سيحلُّ كلَّ مشاكل العالم.. وكانت وسائل الإعلام في بلدي تروِّج لتلك المعاني.. وتوالت الحكومات على الحكم.. ووسائل الإعلام تساهم في توجيه الرَّأي العامِّ لتيسير علوِّ هذا أو ذاك من المطلوبين للحكم في البلد...
واليوم الكلُّ يعلن أنَّه ديمقراطيٌّ ليصل إلى مآربه الخاصَّة، وهو يظهر أنَّ همَّه الأوَّل مصلحة الوطن، وينمِّق القول ليقنع بكونه الأفضل.. للدِّيمقراطيَّة آليَّات جميلة لم تمنع من استخدامها وتوظيفها بوسائل خسيسة أيضاً للتَّمكين لهذا أو ذاك.. وقد يختار الشَّعب رئيساً له وسرعان ما يُسحب من تحته البساط لوضع غيره في مكانه، ولا علاقة لهذا التَّغيير بالعدل، ومع ذلك يؤمِّن عليه أغلب الدِّيمقراطيِّين..؟!
ثمَّ ها هي تُبرز إلى الوجود فكرة التَّطرُّف الدِّيني.. ويؤول الأمر إلى العمل على الرَّبط بين الإسلام والإرهاب؟!.. لو أنَّ الإسلام دين إرهاب فبمَ يفسَّر رجوع المسلمين الَّذين تربَّوا في ديار الغرب إليه، وبمَ يفسَّر تزايد اعتناق الغربيِّين للإسلام؟.. أترى المواطن المعاصر المتطوِّر مغفَّل إلى درجة الإقبال على التَّهلكة؟!.. العكس هو الصحيح؛ ألا وهو أنَّ البعض لا يخدم مصلحته تزايد عدد المقبلين على هذا الدِّين، فيحاولون تمرير صورة منفِّرة له مرتبطة بالإرهاب، وتدعم ذلك وسائل الإعلام بربطها للعمليَّات الإرهابيَّة الشَّنيعة ربطاً مشبوهاً فيه بالإسلام..
ويصل الأمر إلى أن يجرؤ بعض المرشَّحين لرئاسة الدَّولة الفرنسيَّة، ويصرِّح أنَّ فرنسا ليس لديها مُشكلة لا مع المسيحيَّة ولا مع اليهوديَّة، وإنَّما مُشكلتها مع الإسلام. ويصرِّح آخر أنَّ فرنسا يجب أن تكون قالباً واحداً جامداً لا يتغيَّر، على الجميع أن يتَّبعه.. فيجعل منع غطاء الرَّأس للمرأة الفرنسيَّة المسلمة من صلب مشروعه المقترَح!؟.. هل غطاء المرأة هو الَّذي سيعُوق تحقيق الأمن في البلاد ويحدُّ من نموِّها وتقدُّمها؟.. بل عين الرَّجعيَّة أن تمنع المرأة من طلب العلم وأن تُقصى عن المجتمع.. غطاء المرأة المسلمة من جوهر دينها وهو أمر قرآنيٌّ لا شُبهة فيه، لو تخيَّلوا مجرَّد خيال أهمَّ مُدنها كمرسيليا وليون ونيس بدون مسلمين، كيف سيكون الوضع الاقتصاديُّ فيها؟ هذه المدن حيَّة بوجود المسلمين وبجهودهم في البناء.. أيرغب هؤلاء في شطب الحقوق المكتسبة والتَّناقض مع مبادئ الجمهوريَّة الفرنسيَّة الَّتي يتشدَّقون بالذَّود عنها؟!.. الأولى بهم أن يطرحوا مراجعة القوانين الَّتي لا تزال تميِّز بين المرأة والرَّجل في تقييم جهد الإنسان، فالأفضليَّة تقدَّر بمن هو أصلح وأنفع للإنسانيَّة، ولا ينظر فيها لا إلى الجنس ولا إلى اللَّون.. هذا الَّذي حقَّقه الإسلام منذ مئات السِّنين..
المُخلص لبلده حقّاً يبدأ بالعمل على كشف الغطاء عمَّن يزرع الفتنة ويبثُّ لغة الاعتداء بين مواطني البلد الواحد لقطع الطَّريق عليه..
لا بدَّ من تحديد مفاهيم الكلمات المستعملة في عالم السِّياسة حتَّى لا تُستخدم للتَّضليل والتَّشويه، فيُنظَر إلى جزء من المجتمع بمنظار أسود فتخفى حسناته.. يقول علماء المنطق: "الحكم على الشَّيء فَرعٌ عن تصوُّره كما لا يمكن الحكم على شيء مختلف في تحديد ماهيَّته". ومثل هذا الاستخدام المشبوه ينطبق على أصحاب التَّصريحات المذكورة أعلاه، وكذلك على بعض الجاهلين بدينهم ممَّن يسهل استدراجهم إلى التَّطرُّف في الممارسة الدِّينيَّة، وهُم قلَّة ما أبعدهم عن تعاليم الإسلام، أو على نقيض ذلك ممَّن يتجرَّأ على ثوابت القرآن ومُحكمه ويعتبر المتمسِّك بالحدِّ الأدنى ضَرباً من التَّعصُّب. وكثيرون هم الَّذين يرون مجرَّد الرُّجوع إلى مُحكم القرآن تطرُّفاً دينيّاً.
التَّطرُّف لغة الوقوف في الطَّرف بعيداً عن الوسط وهو أقرب إلى الهلاك. والإسلام دعا إلى الوسطيَّة في التَّصوُّر والاعتقاد والأخلاق والمعاملة.
التَّطرُّف هو التَّعصُّب للرَّأي تعصُّباً لا يسمح للآخر بالوجود الكريم، المتعصِّب شعاره: "مِن حقِّي أن أقول، ومن واجبك أن تتَّبع"؛ فينتهي به الأمر إلى لفظ الوسطيَّة، والدَّوس على الحقوق، والسُّقوط في الاعتداء. مَن كان هذا حاله لا يُنتَظر منه أن يُبادر حقيقة إلى بتر جذور الإرهاب؛ وإن ادَّعى ذلك..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة