طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
أثقلت ظهري
في ليلة ظلماء، كان يتقلّب في فراشه بعدما طرد الألمُ النّوم من جفونه. تنهّد بثقلٍ وجلس على حافّة السرير. وأخذ يفرك كتفيه بيديه علّ الألم ينزوي. وعندما أبى، راح يبحث بعصبيّةٍ عن المسكّن، واستسلم للنّوم كالصّريع.
لم تكن الأحلام التي رآها تلك اللّيلة كغيرها من الأحلام، كلّ ما رآه كان كابوساً مزعجاً، رأى نفسه واقفاً وفوق كتفيه وعلى ظهره جبلٌ عظيم، وعلى الرّغم من أنّ المسكّن كان لا يزال يجري في عروقه، إلّا أن الألم لم يفارقه، وشعر بأن كتفيه سيتصدّعان وأن ظهره سيتمزّق.
في الصّباح التّالي، توجّه نحو عيادة قريبة. "أشعر بثقلٍ على ظهري، إنّه يؤلمني كثيراُ، لم تنفعني المسكنات قطّ! لقد قمت بكلّ الصور الإشعاعية وبكلّ التحاليل ولم يبن شيء!" نظر الطّبيب إليه بعد أن قال ذلك وأخبره بأنّ عليه أن يراجع قسم الطبّ النفسي، لأنّه لا يملك علاجاً لحالته.
في طريق العودة، نظر من نافذة الباص وتذكّر الأيّام الخوالي؛ لقد كان في ريعان شبابه، إلّا أن البطالة جعلت منه عجوزاً بائساً. فعندما حانت له فرصة العمل في الخارج، استقلّ أوّل طائرة متوجّهة إلى بلاد الاغتراب من دون تردّد.
وصل إلى تلك البلاد فوجد أن الصّقيع قد أكسى الأرض ثلوجاً وتسلّل إلى قلوب النّاس فقست فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة. كاد الصّقيع أن يغزو قلبه أيضاً لولا وجود شعلةٍ زرعتها أمّه فيه منذ صغره.
أراد أن يمتزج مع نسيج المجتمع الذي أقحم نفسه فيه، فأصبح من روّاد الحانات والمراقص. وكلّما خاض في تلك الحياة أكثر، كلّما شعر بأنّه ينتمي لتلك البلاد أكثر. كان كلّ شي يسير على ما يرام لولا أن ظهرت مشكلة ظهره تدريجيّاً وأصبحت تؤثّر سلباً عليه.
عاد إلى منزله يائساً. وضع رأسه بين يديه، وما هي إلّا ثوانٍ حتّى لمعت في ذهنه فكرة... "إنّه الصّقيع، هو سبب ألمي! لم أكن أشعر بشيء عندما كنت في بلادي الدّافئة!"
لقد قرّرّ أن يعود... فتح حقيبته فوجد مصحفاً كان قد نسيه فيها منذ أن قدم إلى بلاد الغربة... أمسكه وقلّب صفحاته، بدأ من سورة النّاس وعندما وصل لسورة الشّرح، رتّل قول الله "ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك." وهنا أصبح لكلّ شيءٍ معنىً... خرّ ساجداً مناجياً ربّه،" ربِّ إنّي تبتُ إليك..." وعندها فقط، شعر بأن الثّقل قد أزيح عن كاهله...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!