فارس الدعوة الإسلامية.. أحمد ديدات
فارس الدعوة أحمد ديدات
لكل جيل عصره، ولكل زمان رجاله.. ومن نذر نفسه لدينه عاش متعبًا، ولكنه سيحيا عظيمًا، ويموت عظيمًا..
هكذا نبدأ رحلتنا مع فارس الإسلام ورجل الدعوة، وإن كان الغرض من هذه السطور ليس سردًا لحكاية بطل قلما يعرفه الكثير من المسلمين إلا أنه يُعرف أكثر عند غيرهم، بقدر ما نستطيع أن نعطيه حقه الذي نعجز عنه.
في أدغال إفريقيا ومع انتشار الأمية والفقر وتفشي الأمراض والأوبئة نشطت الجمعيات والإرساليات التبشيرية لتجد مكان خصبًا ينشرون فيه تعاليم دينهم المزيف، ويجندون أتباعهم بكل ما أوتوا من قوة لإخراج المسلمين من دينهم، وساعدهم على تحقيق ما يمكرون توافر الجهل، وانتشار الأوبئة، والفقر المدقع، والحاجة إلى الحياة مع ضعف الإيمان والعقيدة؛ فخضع لهم الكثير إلا النذر القليل الذي اشترى آخرته بدنياه.
لم تكن هذه الصورة الموحشة في إفريقيا فقط بل امتدت -وبصورة أكبر- لتشمل بلاد المسلمين في الهند وباكستان، وغيرهما كثير.
النشأة والدراسة
وما كان الإسلام -في كل عصر ومصر- ليعجز عن إخراج دعاة صادقين مجاهدين، وإن اختلف الميدان واختلف معه الأسلوب.. وكان فارس هذا الميدان "الشيخ أحمد ديدات".
ولد الفارس الشيخ أحمد حسين ديدات في "تادكهار فار" بإقليم سراط بالهند عام 1918م، لأبوين مسلمين محافظين، وكان أبوه يعمل بالزراعة، ولما ضاق به الحال سافر إلى جنوب إفريقيا للعمل هناك. وفي عام 1927م انتقل أحمد ديدات مع والدته إلى جنوب إفريقيا حيث يعمل والده، واستقر بهم الحال في "ديربان". وقد بدأت ملامح الذكاء والنبوغ على الطفل الصغير، فما كان من والده إلا أن ألحقه بالدراسة وهو في العاشرة من عمره، ونشأ الطفل نشأة صالحة وعكف على حفظ القرآن الكريم ودراسة الشريعة الإسلامية على مذهب أهل السنة والجماعة.
ومع نبوغ الطفل وتفوقه إلا أنه لم يكمل دراسته، فقد أعاقه حال أسرته الفقيرة ووضعهم الاجتماعي السيئ، ومن ثم انتقل الابن الصغير للعمل لمساعدة والديه على العمل والحصول على قوت يومهم، فعمل في محل صغير، ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مصنع للأثاث، ثم سافر الشيخ في غضون ذلك إلى باكستان عام 1949م، ومكث فيها ثلاث سنوات ثم اضطر للعودة إلى جنوب إفريقيا مرة أخرى وإلا فقد تصريح الإقامة بها؛ لأنه ليس من مواليدها كما هو معروف في القانون هناك، وبعد عودته أصبح مديرًا للمصنع الذي كان يعمل فيه حتى عام 1956م، وفي هذه الرحلة الطويلة كان الشيخ يعد نفسه لعمل عظيم!!
نقاط التحول في حياته
- كان المحل الذي كان يعمل فيه الفارس الصغير قريبًا من إحدى الإرساليات التبشيرية في البلاد، وكان هناك مبشرون يأتون إلى المحل بدعوتهم المزيفة، ويسيئون إلى الإسلام ونبيه r والقرآنالكريم، ويوجهون إليهم أسئلة تشكك المسلمين في دينهم وعقيدتهم، مستغلين ضعف ثقافتهم وجهلهم بحقيقة الدين. ولم يكن الشيخ لديه الثقافة الكافية للرد عليهم بالحجة والبرهان، ومن هنا عكف الفارس على قراءة الأناجيل ودراسة تعاليم القرآن والإسلام ومقارنة الأديان؛ حتى يتسنى له الرد على هؤلاء المغرضين. ولما وجد الشيخ أن لديه القدرة على دحض افتراءاتهم، قرر أن يخوض الحرب معهم ولو لوحده، وعقد المناظرات معهم ومجادلتهم، ولكنه وجد نفسه مشغولاً في الأعمال التجارية، فما كان من الشيخ المحب لدينه إلا أن قرر ترك العمل والتفرغ للدعوة إلى الدين الحق ومواجهة المبشرين.
- ولما كان الشيخ محبًّا للقراءة والاطلاع -وخاصة في هذا المجال الوعر الذي قلّ من يخوضه من الدعاة- فكان يبحث في كل مكان عن الكتب حتى في المخازن القديمة التي تربت فيها الحشرات وغيرها من القوارض إلا أنه لم ييئس، حتى عثر ذات يوم على مراده وسلاحه، فقد وقع في يده كتاب "إظهار الحق" للشيخ علامة الهند رحمت الله الهندي، وكان العنوان غريبًا ومثيرًا للتساؤل؛ لذلك يقول الشيخ أحمد ديدات: "لقد أثار العنوان فضولي لأن وقعه كان عربيًّا، ولكن العنوان كان مكتوبًا بالحروف اللاتينية: "IZAHARUL HAKK ". وأخذت كلمات العنوان تدور في ذهني.. إظهار الحق.. إظهار الحق.. ماذا تعني عبارة "إظهار الحق"؟ ثم لمحت على الغلاف بالإنجليزية بحروف أصغر عبارة: (The Truth Revealed)، أي: الكشف عن الحقيقة.. فربطت بين هذه العبارة وبين عنوان الكتاب، وقلت لنفسي: ربما أن هذه العبارة هي ترجمة العنوان (إظهار الحق)"[1].
وقد ألف العلامة رحمت الله الهندي هذا الكتاب ردًّا على الحملات التبشيرية في الهند، وبيان عوار منهجهم وفساد معتقداتهم، ويشرح للمسلمين سبل مواجهتهم طريقة جدالهم، فكان هذا الكتاب غاية المنال للشيخ ديدات، فقرأه بتمعن حتى حفظه قلبًا وقالبًا، فكان سلاحه في غمار المعارك.
- ومن نقاط التحول أيضًا في حياة فارسنا المغوار إسلام أحد النصارى الإنجليز في الخمسينيات ويسمى" فيرفاكس"، وكانت له خبرة في الكتاب المقدس، فعرض على الشيخ ديدات عمل دراسة حول مقارنة الديانات، واقترح عليها اسم "فصل الكتاب المقدس Bible Class"، وقد كرّس الرجل نفسه لتعليم المسلمين سبل التعامل مع الكتاب المقدس، وذلك كل يوم أحد، وبعد أن كثر العدد اختار مجموعة من الشباب ليتلقوا مزيدًا من العلم، وليكونوا نواة صالحة في مواجهة هذا السيل من الحملات. وبعد أن تغيب "فيرفاكس" لم يجد المسلمون رجلاً طودًا يسد هذه الثغرة سوى الشيخ أحمد ديدات، فكانت هذه نقطة تحول في حياته، فقد تعلم فيها الكثير من سبل المواجهة والرد على التساؤلات؛ مما أكسبه خبرة كبيرة جعلها في خدمة دينه وإخوانه المسلمين.
ديدات ورجال التنصير وجها لوجه
لقد نذر الشيخ ديدات نفسه ليس للدفاع عن الإسلام ومواجهة حملات التنصير فحسب بل ومحاولة إقناعهم بكل السبل؛ للدخول في الإسلام لأنه دين الحق والنجاة في الدنيا والآخرة. ولم يكن ديدات كبعض العلماء الخنوعين ولكنه كان الجبل الأشم في مواجهة حملات التبشير والتنصير، وقد عرف عنه الشجاعة والثبات عند المواجهة واستمداد العون من الله الموفق.
لذلك كانت ردود فعل رءوس الشياطين عظيمة؛ لأن وجود هذا الرجل سيعطل مسيرة النجاح التي كانت قبل ذلك بسنين، وأن ذلك سيؤدي إلى زعزعت الثقة في قلوب النصارى والحيارى في دينهم، فما كان منهم إلا أن طلبوا منه المناظرة العلنية، ومن يثبت هو صاحب الحق الذي لا مراء فيه، فما كان من الفارس المغوار إلا أن تسلح بسلاح الإيمان والعقيدة وأشهر سيفه ليدكّ معاقل الكفر هناك، وتم عقد المناظرات مع كبار رجال الدين المسيحي في أوربا وأمريكا وإفريقيا، وكان ذلك في عقر دارهم. ومن أشهر مناظراته مع كبار رجال الدين المسيحي مناظرته مع القس الأمريكي العنيد "جيمي سويجارت"، والقس السويدي"ستانلي شوبيرج"، والمبشر الأمريكي وعالم اللاهوت البروفيسور "فلويد كلارك"، والدكتور "أنيس شروش"، وغيرهم الكثير.
أما عن مناظرته مع القس "جيمي سويجارت" فتعتبر من أخطر المناظرات على الإطلاق، حيث كانت تحت عنوان "هل الكتاب المقدس كلام الله؟"، وقد كان لهذه المناظرة أثرها الكبير في المجتمع الأمريكي خاصة والمسيحي عامة بعد فشل القس سويجارت الذي أفحمه الشيخ ديدات، ولم يجد القس مفرًّا من الهزيمة، ثم جاء بعد ذلك القس "ستانلي شوبيرج" وعرض على الشيخ ديدات مناظرتين في "ستوكهولم". وفي قاعة "ألبرت الملكية بلندن"، واجه فارس الدعوة علمين اثنين من كبار رجال المسيحية في العالم، هما "أنيس شروش" و"فلويد كلارك"، وكان الأول منهما عنيدًا وهو الذي طلب المناظرة مع الشيخ ديدات في القاعة، وكانت حول مسألة هل عيسى u إله. أما كلارك فكانت المناظرة بينهما حول هل مات المسيح u على الصليب. وهكذا سل الرجل سيفه مدافعًا عن الإسلام في عقر دار أعدائه، ورفع الله به الإسلام، ودخل الألوف من الحيارى في دين الله أفواجًا.
جهوده وإسهاماته
كان الهم الأكبر للشيخ أحمد ديدات هو كيف يتم بناء جيل قادر على مواجهة هذه الحملات التبشيرية المستمرة، وما هو الزاد الذي يستطيع هذا الجيل أن يقاوم به؛ لذلك عمل الشيخ ديدات على إنشاء معهد لتخريج وتدريب الدعاة إلى الله، فأنشأ "معهد السلام" بمدينة "ديربان بجنوب إفريقيا"، كذلك أنشأ المركز الدولي للدعوة الإسلامية بنفس المدينة، وكان لهذا المجهود أكبر الأثر -بعد الله تعالى- في نشر الدين وتوعية المسلمين ومواجهة حملات المبشرين.
أما عن إسهاماته، فإن للشيخ -رحمه الله- أكثر من عشرين كتابًا ترجم معظمها وطبع بالملايين من النسخ، وكان لها دويٌّ كبير في العالم أجمع. ومن هذه الكتب: عتاد الجهاد، هل مات المسيح على الصليب، الرسول الأعظم محمد r، هل الكتاب المقدس كلام الله، هل المسيح u هو الله، العرب وإسرائيل شقاق أم وفاق، وغيرها كثير.
ونتيجة لهذه الجهود العظيمة في خدمة الإسلام، مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام 1986م.
لحظات الوفاة
بعد رحلة جهادية في الدعوة إلى الله، وفور عودة البطل من أستراليا (إبريل عام 1996م)، أصيب الشيخ ديدات بجلطة في الشريان القاعدي، ونتيجة لحب الرجل لدعوته وكثرة ترحاله وسفره هنا وهناك عاوده المرض، ولكن في هذه المرة كان شديدًا عليه، حتى كان يوم الاثنين الثامن من أغسطس لعام ألفين وخمسة (2005م)، رحل الرجل الأشم وفقدت الأمة الإسلامية فارس الدعوة في العصر الحديث، الذي طالما أضج مضاجع المبشرين بدعوته وجهده، فرحمه الله وجعل مثواه الفردوس.
[1] للاستزادة: كتاب الشيخ أحمد ديدات، هذه حياتي.
المصدر : قصة الإسلام
الكلمات الدالة : الدعوة بالقدوة الدعوة فقه الدعوة التعريف بالإسلام الإسلام المسلمون في الغرب الاعلام الغربي الغرب
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!