أم العريس !
أكرم الله الكثير من الأمهات بالذرية وأحياهن ليعشن تجربة زواج الأبناء أو البنات، وها أنا أعيش هذه المرحلة بكل أبعادها ومسؤولياتها والخوف من ارتكاب أخطاء لأن التجارب غضّة يانعة يزينها صدق الأماني واليقين بكرم الله، أعيش الفرح بالعروس والعريس والحياة التي ستتلون بطعم آخر لأن هناك إبنةً (جديدة) ستمتلك (بمحض ارادتي ) مكاناً في قلبي.
ومع اقتراب موعد الاحتفال بالزواج رحت استعرض في ذاكرتي مراحل حياة ابني (كما تفعل الأمهات) ، مرت السنين أمامي كأنها ثوانٍ وتذكرت الحمل كرهاً والوضع كرهاً وسعادتي يوم مولده وفي عيد ميلاده الأول ، تذكرت سهر الليل وبكاء أول يوم في الروضة وأول يوم في مدرسة الأولاد ومشاوير مساجد تحفيظ القرآن. تذكرت قلم الرصاص (والبراية) وإملاء الحروف وتمزيق الصفحات ليتقن كتابة الحروف على السطر بالعربية والانجليزية. تذكرت ليالي التطعيم وحرارة الأربعين وكمادات الخل وكيف أتمنى فداءه بماء العين ليطيب ويكون دوماً بخير.
تذكرت العناد الصبياني ورفض اختياراتي له من ملابس وهو في التاسعة من عمره ، وتذكرت معاناتي أيام الاختبارات و(الصحيان بدري) وأيام مراهقة الثانوي والجامعة ومن ثم بداية الحياة الوظيفية. (بكل مافي ذلك من سعادة ومرارة) طافت الذكريات عطرة وأتمنى استرجاعها لأشبع منه أكثر، ولأهدهده في سريره وأكرر له الحكايات طوال الليل، ولتزدان الأميال في قلبي (كلما أطل بابتسامته) باللون الأخضر .
أي بنيَّ ، منحتني لقب (أم) وجربّت فيك ممارسات الأمومة بلا خبرة لأنك أول أولادي، ولذلك ستنهمر دموعي من كثرة الفرح يوم عرسك (ولن أخجل من ذلك أبداً)، فأنا أراك أمامي فخراً وثمرةً مباركة (وفقني الله مع أبيك لرعايتها). أمامي رجلُ عابد يحمل قيماً أصيلة سأطلقه كعصفور طاهر في ميادين الحياة، وأوصيه بالزوجة يحفظها في حضن عينيه ويكرمها ويدللها ليسعَدَ بذلك بعد حين. وها أنا أخبرك يا قرة العين، أن النساء وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن (شقائق وقوارير) ، وإن وهبك الله من الذرية بنتاً فستعلم بعد حين مقصدي ومرامي. والزواج رسالة عظمى تقتضي منكما التعاون المستمر والتضحية الدائمة، فخير متاع الدنيا المرأة الصالحة (وأحسبها صالحة إن شاء الله). وقد أحسنتُ لكَ الاختيار ودققتَ أنتَ في صفاتها وستتحمل مسؤوليتها إلى يوم الدين. خطبتها لك ولم تكن أناّنة ولا منانّة ولا حنّانة وليست أبداً بالحدّاقة ولا البراقة ولا الشدّاقة (كما يقول العرب). فلم أجدها تُكثر التشكي والأنين فتعصبُ رأسها كل ساعة، وليست بالمنانة التي تمّن على أحدٍ فتقول فعلتُ لأجلكم كذا وكذا، وليست بالحنّانة التي ستنكر عشرَتك الجديدة وتحنُ إلى عيشة أهلها إن أنت أكرمتها ورعيتها، وليست بالحدّاقة التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه، وتكلفُكَ شراءه ما لا تطيق، ولا البراقّة التي تتركك لتمضي معظم وقتها في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريقٌ محصلٌ بالصنع (فالجمال أصيل تبارك الله). وليست أبداً بالشدّاقة الكثيرة الكلام التي تملأ رأسك بالسفاسف والسخيف من الأمور. هنا أنتهت مهمتي ويحين دورك أنت لتبُرز الجميل الباقي في شخصيتها ولتعينها على حياتك الجديدة معك. فلا تفرض رأيك بالقوة حيث لا يلجأ إلى ذلك إلا من قصُر رأيه، وضعُفتْ حجته، وزلًّ المنطق منه. سيبدأ منذ الآن مشوار قطف الثمار ، وسأعلم حقيقة البذور التي غرست والرجل الذي صنعت ، وسأرى ذلك في محياك ومحياها وأفعال حياتكم القادمة (إن كتب الله لنا العمر).
سأرى رجولتك الحانية والمسؤولية التي ستتضطلع بها والعمر الذي ستعيشه بتوفيق الله لتكّون أسرة صالحة. فلا تجاهد ضد السعادة إتقاءً لغدرٍ الزمان. يا بني، أرجوك رجاء إمتد طوال السنين، ألا تخذل الأماني ، وألا تضيّع ليالي الجهد والصبر في التخوف من الملل، وفي الضجر من تبعات المسؤولية، توكل على الله فلمثل ذلك يصنعُ الرجال، وبمثل ذلك تُعمّر الأرض، وسأظل أرجو لكما المعونة والسداد من الله ماحييت. أستأذنك فقط بعد رحيلك بضم الوسادة بدلاً عنك، كلما أفتقدت محياك بين جدران بيتي ، وكلما غمرني الشوق إلى باب غرفتك فلا أطيق، فأنت بالرغم من الشوارب والعضل والطول تظل في مخيلتي الحاضرة طفلاً يلعب بالألعاب، صبياً يتقافز فرحاً فوق سريري إلى أن يستبد به التعب فينام وأغطيه برموش عيني. وأسمح لي أن أقبل الصُور (والكور) وحصانك الخشبي ، فهم يحتفظون بقبلاتي أمانة لك عندما لا تكون هنا ... وسأظل أدعو وأدعو وأرجو ... أن تكون وأخوانك بخير ، وأن يبلغنا الله فيكم وفي ذريتكم كل الخير، إنه على ذلك قدير، فبارك الله لك وبارك عليك وجمع بينك وبين زوجك في خير وعافية. فإلى كل أم تعبت وأخلصت وربت ومنحها الله نعمة الحياة لتعيش أحلى تجربة، أن ترى إبنها عريساً يتزين (بمشلحه) ، ويتأبط شريكة عمره التي سيخلص لها مدى الحياة، أقول: أتم الله الهنا وبارك الله في صنيعِك وأثابك الجنّة. يا أم العريس دامت لياليك السرور.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن