من سجن الغفلة إلى حرية اليقظة...!
غارق في يمِّ الحيرة؛ لا شيء يمنحه السلوان، مُرْتَبِكٌ أمام لحظات الفجيعة، متلعثم في أوقات الفرح.. مشرَّد الوجدان في الحالين على حدٍّ سواء. ممتلئ بالفوضى، تتصارع فيه الرغبات مجنونة، يكتشف في نفسه عبثية الكثير، ولا يجد له سبيلاً إلى اليقين..
يعيش في ذلك الثقب حزيناً ضائعاً، أورثه الهمُّ والغمُّ بؤسَ الروح وشقاء الحياة.
إنها حال الغارقين في غفلة الدنيا، كبَّلتهم قيود الروح وطلاسم الفكر، فتعوَّقت حركتهم حتى فقدوا القدرة على السلوك القويم وعن رؤية الحقيقة، بل وربما كانوا من بني جلدتنا...
فلنتأمل قول الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ....}.
هنا يتوقف القلب غارقاً في هذه الشهادة على حال هؤلاء الذين تاهوا في هذه الدنيا؛ فما أبصروا الحقيقة وإن رأوها، وما وعوا معنى الإسلام وإن قرأوا عنه، وما سلكوا نهجه وإن تسمَّوا باسمه وانتسبوا إليه...
فكيف يعرف الغافل؟! وما هي أسبابه؟ وكيف السبيل إلى إيقاظه؟
انظر إلى قول ابن مسعود ]: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غَرَبَتْ شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي"... فكم تمر علينا من الأيام التي تسلب من أعمارنا ونحن على تذمُّر ولسان حال الكثيرين: الروتين يقتلني؟! فتفقَّد قلبك في كل حين، واسلك سبيل المتزودين ليوم الرحيل!
وتجنَّب أن تقع في مفاتن الغفلة؛ التي تتشكل في منظومة من المفاهيم أبرزها:
ـ طول الأمل الذي يزيِّنه الشيطان ويسلِّطه على القلوب، فتتصدر (سين التسويف) مقترنة ليتبعها (العجز والكسل) مفتقرة إلى (الإنابة لله)، فيعيش في وهم الشباب الربيع الذي لا يتبعه خريف! فلا يدرك نفسه -إن أدركها -إلا في نهاية الطريق..
ـ حب الدنيا... إنها الفتنة الكبرى التي تعلَّق القلب بها؛ فيلهث خلفها، ويسعى لكسب ما فيها بشتى الوسائل ساخطاً عن واقعه، متذمراً لحاله _ وإن حاز منها ما حاز _ كما وصفهم الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.
ـ العمى عن المقصد والعمل الدعوي، فلا يحمل (همَّ الدِّين) بل يتخذه (لعباً ولهواً)، كمثل الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
فكيف لمن غرق في لجج الظلمات أن يخرج منها إلى بصيرة الإدراك؟!
في خضم هذا السباق بين الموت والحياة نرى أنَّ (تذكر الموت ومشاهد الآخرة) هو المفهوم الذي ينبغي أن يُستبدل بـ (حب الدنيا)، فيدرك حقيقة الدنيا؛ أضف إلى ذلك بأن (معرفة الغاية) التي مِن أجلها خُلقنا توجِّه البوصلة إلى الطريق المنير بإذن الله تعالى.
فيا مَن عصيتَ الله يوماً غافلاً أنسيتَ أن الله قد أعطاكا؟
نِعَمٌ عليك كثيرة لو صُنتها لأطعت خالقك الذي ربّاكا
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة