أين الله؟
رائحةُ الموتُ تروجُ في الأرجاء مُعلِنةً عن جثث متناثرةٍ في كلِّ مكان، صوتُ طفلٍ يبكي لا يستطيعُ أحدٌ إنقاضه، عجوزٌ ينظرُ لأطفال حارته وقد ماتوا جميعاً يتمنّى لو أنّ الموت اختاره ولم يخترهم. أين الله عنهم؟ سؤالٌ ألسنة وقلوب الناس منذ أيام.
إنّ ما يحدث اليومَ دليلٌ على سنَنِ الله التي لا تُحابِي أحداً، ولا تختصُّ شعباً ليكون مختاراً دون غيره، ولا تجعلُ بركةَ مكانٍ تفوقُها. إنّها سنن الله في كونه التي لا تبعث النصر والحضارة لقومٍ على طبقٍ من عبَث، ولا ترفعُ أمةً انهارَت فيها قيمُ الوعي والعمل، ولا تبشّرُ بالفتح جرّاء مظهرِ عبادة خاويَ التطبيق والإيمان. إنّنا اليومَ ندفعُ ثمنَ أجيالٍ تربّت فارغة، ومجتمعات ارتضت أن تكون شعوباً مُستهلِكة تأخذُ كلَّ ما يصدّر لها بنَهَمٍ دون تصفيةٍ أو تنقية، ومبادئ ارتضينا أن نجعلها شعارات رنانة ومواعظ مؤثرة دون أن نطبّقها على تفاصيل حياتنا.
يخبِرنا التاريخُ أنّ الحروب لا تستمر، وأنّ ما مِن محنة إلّا وستنتهي. إلّا أنّه يخبرنا أيضاً أنّ الأمة لم تنتصر يوماً إلّا بعدما قوي عود أفرادها. وأن قطز لم يكن لينتصر على التتار إلّا بوجود الجيل الذي تربّى وتزكّى في حلقات العلم. وأنّ فتح مكة سبقه ثلاث عشرة عامٍ في مكة لبناء الإنسان، ثم هجرةٍ في الأرض، ثم بناءِ دولةٍ سنين، ثم فتح؛ رغم أن الله كان قادراً أن يُدخِل الإيمان قلوب شباب قريش ورجالها فيقفون مع رسول الله منذ اللحظة الأولى ويذهبون إلى أصنام مكة فيكسروها ويصبح الإسلام دينهم خلال أشهرٍ أو أقل، لكنها سُنن الله في أرضه بأن المجتمع إذا تفاقم فيه الفساد احتاج لأعادة صياغة، والأمة إذا خلت من الوعي احتاجت إعادة بناء، وفي سبيل هذه الصياغة وهذا البناء سيبذل كثيرون أرواحهم وأوقاتهم.
إنّ الله – تبارك وتعالى – موجود، لا تجزع بهِ إيماناً، ولا تنقص بهِ يقيناً، ولا تسيء به ظنّا. إنّ الله – تبارك وتعالى – موجود يربط على قلوب الثكالى، ويجبر كسر اليتامى، وينتقم للمظلومين من ظالمهم، ويراقب ردود فعلك وخطواتك الحقيقية المدروسة لأجلِ التغيير في نفسك وفي مَن حولك.
قبل أن تسأل "أين الله" أريد أن أسأل "أين أنت؟"، ما موقعك في هذه الأمة؟ ماذا أضفتَ لها؟ ماذا تحمل من وعي ومبادئ؟ إلي أين تسعى وما هي عبادتك في هذي الأرض؟
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن