كيف يستفيد أطفالنا من رمضان؟
كتب بواسطة د. عبد المجيد البيانوني
التاريخ:
فى : زينة الحياة
2169 مشاهدة
إذا كان الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، فإنَّ التقوى هي ذروة سنام الإيمان.. لأنَّها الكلمة الجامعة لحقائق الإيمان الكبرى، فلا تقوم حقيقة الإيمان وكماله إلَّا بها، ومن ثَمَّ فإنَّنا نجد الحديث عن التقوى يمثِّل في القرآن وفي السنَّة محطَّة ومفصلاً لكلِّ التكاليف العقديَّة والعباديَّة والتشريعيَّة والأخلاقيَّة على حدٍّ سواء.. ممَّا يؤكِّد لنا على أنَّها ذروة سنام الإيمان بلا ارتياب.. كما أنَّها الهدف التربويُّ العامُّ الجامع لأركان الإسلام الأربعة، مع انفراد كلِّ عبادة بخصوصيَّتها التربويَّة المتفرِّدة؛ فالصلاة هي الصلة الكبرى بين العبد وربِّه، والزكاة طهارة للنَّفْس والمجتمع وبركة ونماء، والصوم تقوى ومجاهدة للنَّفْس، والحجُّ جهاد واجتماع للكلمة على مستوى الأمَّة.. وتأتي التقوى في الصيام خاصَّة لتوثِّق العُرَى بين الإسلام والإيمان.. إذ يجتمع فيها الهدف التربويُّ العامُّ بالهدف الخاصِّ؛ ليجعل من الصوم نسيجاً متفرِّداً في طبيعته وآثاره، ومن هنا جاء في الحديث القدسيِّ الإشارة إلى هذه الخصوصيَّة بقول الحقِّ جلَّ وعلا: ((إِلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)). رواه البخاريّ.
كما أنَّ في كلِّ عبادةٍ من العبادات نظاماً تربويّاً دقيقاً يشمل كلَّ فئات الأمَّة، ربَّما اهتدى إلى جانب منه بعض الناس فنعموا بنفحاته وبركاته، ولكنَّ أكثر المسلمين بعيدون عنه وغافلون. وأصبحت العبادة تؤدَّى كعادة من العادات، فلا يقطفون ثمراتها، ولا تحقِّق في حياتهم مقاصدها وأهدافها.. فمتى نتَّخذ من تكرار العبادة في حياتنا مناسبة للتفهُّم لها، وحسن الاستفادة منها؟! وسبيلاً للغوص في أعماقها، واكتشاف دُررها ولآلئها.
وإنَّه لينبغي على الوالدين أن يغرسا في أطفالهما أهمَّ المعاني التربويَّة عن الصيام، بما يتناسب مع سنِّ الطفل واستعداده، ومنها:
1. أنَّ الصيام ركن من أركان الإسلام، لا يتمُّ إسلام المسلم بدونه.
2. أنَّ فضل الله العظيم وثوابه الجزيل لمن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، ومعنى ذلك.
3. أنَّ الصوم يُربِّي في نفس المؤمن رقابة الله تعالى ومحبَّته وخشيته، وإخلاص العمل لوجهه الكريم.
4. أنَّ على الصائم أن يتحلَّى بآداب الصيام؛ فيحفظ سمعه وبصره ممَّا حرَّم الله، ويكفَّ لسانه عن اللغو والغيبة والنميمة، ولا يرفث، ولا يفسق. ويعمر أوقاته بتلاوة القرآن الكريم، وذِكر الله تعالى وطاعته، وكثرة دعائه والتضرُّع إليه.
5. أنَّ الصيام يعلِّمنا ضبط الإرادة وتربيتها وتقويتها، وتهذيب رغبات النَّفْس، فما كلُّ ما تشتهي تستطيع الوصول إليه، وما كلُّ ما تحرص عليه من مصلحتها وخيرها أن تبلغه وتناله..
6. أنَّ الصيام يربِّي نفوسنا على أنَّ في المأكولات والمشروبات والمشتهيات ما هو من الخبائث التي حرَّمها الله على الإنسانِ، فينبغي عليه أن يعفَّ نفسه عمَّا حرَّم الله عليه، ليكون عبداً لله خالصاً، ومؤمناً بالله تعالى حقّاً..
وإذا أردنا أن يستفيد أطفالنا من شهر رمضان، وينشؤوا على حبِّ الصيام، فعلينا أن نتَّبع ما يلي:
1. أن نُحسن استقبال شهر رمضان بما يتناسب مع قَدْره ومكانته، ونبتهج بقدومه الابتهاجَ الشرعيَّ؛ الذي يحقِّق أهدافَ الصيام ومقاصده .
2. ألَّا نأمر أطفالنا بالصوم إلَّا إذا قدروا عليه، فالأمر بالصوم يختلف عن الأمر بالصلاة، وألَّا نتهاون بأمرهم بالصوم إذا قدروا عليه بدافع الحُبِّ والشفقة.
3. وأن نقدِّم لهم الهدايا والجوائز اليوميَّة المحبَّبة بالصيام، كما كان السلف يفعلون.
4. أن يكون للأسرة نظام محبَّب للنفوس خاصٌّ برمضان، يحقِّق مقاصده وأهدافه؛ من حيث العادات في المأكل والمشرب والنوم، وحسن الاستفادة من الوقت بما يتلاءم مع فضل هذا الشهر وخصائصه..
5. وأن يتمَّ إعْلانُ شعارات في رمضان على مستوى الأسرة، تتناسب مع قدسيَّة الشهر العظيم وفضله، ونحرص على تربية أنفسنا وأولادنا عليها، ومن ذلك: الجود والإحسان والصدقة على الفقراءِ والمساكين، واغتنام الوقت، والاجتهاد في العبادة، وكثرة التلاوة للقرآن الكريم، وحفظ اللسانِ من اللغو والغيبة والنميمة، وحسن الخلق، والتحلِّي بالصبر وسعة الصدر.
أَمَا لو علم الوالدان ما في شهر رمضان من العون لهم على تربية أولادهم، وسموّ بنائهم النفسيِّ والاجتماعيِّ؛ لكان لهم مع هذا الشهر شأن آخر.. والله.
أيُّها المربِّي! ربَّما سألك طفلك هذا السؤال: لماذا نصوم؟ وربَّما لم يتجرَّأ فلم يسألك، فلا مانع أن تسأله أنت هذا السؤال، وتجيبه بما يناسب سنَّه وفكره، ليؤدِّي العبادة لله تعالى بوعيٍ لمقاصدها، وفقهٍ لحكمها وآدابها، وليكون له من ثمراتها وآثارها في نفسه وسلوكه وعلاقاته ما يدفعه إلى التمسُّكِ بها وعدم التخلِّي عنها.
فهل نعي ما في هذا الشهر الكريم من الخيرات والبركات والثمرات الطيِّبات؟ وهل نُحسن استثمارها في تربية نفوسنا وأولادنا؟ إنَّا لنرجو ذلك بتوفيق الله، والله وليُّ التوفيق والسداد..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة