كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
لماذا نصوم؟
لماذا نصوم؟ يرجع رمضان ويرجع السؤال عن حكمة الصيام كلَّ عام، ويأتينا الجواب: لنشعر بآلام الجياع والفقراء وجوعهم وظمئهم...!
• الجواب: الأَولى أن نُعيد الحكمة لما أقرَّه سبحانه في آية فرض الصيام:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
فقد أجابنا سبحانه عن الحكمة من الصيام، لماذا كُتب علينا الصيام؟ الجواب: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالأمر يتلخَّص في أن يرى المسلم المباحات ولا يقربها؛ تدريباً لنفسه على الترك، على المنع، على الإقلاع عمَّا تتعلق به النَّفْس تحقيقاً لمعنى التقوى... سواء أكان فقيراً أم غنيّاً.. كلٌّ منهما عليه أن يترك طعامه وشرابه وشهوته لأنَّ الله أمره بذلك... ورمضان دورة تدريبية لتهذيب النَّفْس، إنه تحقيقٌ لمعنى العبادة بالترك، فليست كل العبادة أن نفعل، من العبادات أيضاً أن نترك ونبتعد، أن نرى ما نهوى فنميل عنه، فلا نمد يدنا إليه ولا نقربه.. تدريب عملي على التقوى.
والسؤال الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا كل رمضان:
- هل يحقق الصيام فينا حكمته: ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؟ هل يزورنا كلَّ عام ليحقِّق فينا التقوى، والمزيد من التقوى؟
سؤال يستوجب أن نقف مع أنفسنا في رمضان وقفة صدق لنحدِّد مظاهر التقوى التي علينا أن نتخلق بها، وعن ماذا يجب أن نتوب؟
فعندما يقتنع أحدنا أنه بحاجة للتوبة ويقرِّر الإقلاع عن خطئه؛ سيكون قد سار خطوة واحدة فحسب في طريق التقوى، وسيكون عليه بعدها أن يطوِّع جوارحه، ويُقنع قلبه، ويروِّض نفسه، ويهذِّب روحه.
قَالَ رَجُلٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ: "مَا التَّقْوَى ؟ قَالَ: أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّوْكَ عَدَلْتُ عَنْهُ أَوْ جَاوَزْتُهُ أَوْ قَصُرْتُ عَنْهُ. قَالَ: ذَاكَ التَّقْوَى".
فكيف بمن ألِف المعاصي وامتزج شوكها بجوارحه؟ كيف عليه أن ينتزع شوك المعصية من عينه التي تنظر، ويده التي تفعل، ولسانه الذي يقول، ونفسه التي تشتهي وتحنّ...؟
لأجل ذلك يأتي رمضان كل عام... رمضان الذي يهبنا طاقة فوق طاقتنا، وقوَّة فوق قوَّتنا، رمضان الذي يأتي ليعيننا، ليأخذ بأيدينا، ليجعل لنا كلَّ يوم دعوة مستجابة تفتح بيننا وبين الفلاح باباً...
رمضان الذي يدرِّبنا على عبادة الترك، يطلب منا أن نترك بعض الحلال فترة من اليوم، لنلتفت إلى أهمية ترك الحرام كل حياتنا، إنه رمضان الطريق الأقصر للتوبة وللتقوى.
ويحضرني هنا سؤال؛ قالته لي إحداهنَّ مرة في معرض حديثي عن أهمية التوبة:
-عن أي الذنوب أبدأ التوبة؟ فأجبتها:
بما استصغرتِ شأنه في نفسِكِ، وبرَّرتِ له بكثرته مَن حولكِ، واستدرجتكِ نعمةُ الستر للاستمرار به وإعادته...
الذنب الذي بتوبتك عنه تستحقين من الله الجائزة، جائزة رمضان.
فعن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان غداة الفطر قعدت الملائكة في أفواه الطرق، فنادوا: يا معشر المسلمين، اغدوا إلى رب رحيم، يمنُّ بالخيرات ويثيب عليه الجزيل، أُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلوا العيد نادى منادٍ من السماء: ارجعوا إلى منازلكم راشدين، قد غفرت ذنوبكم كلها. ويسمَّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة)). [معرفة الصحابة]
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة