فتاوى عن الصيام
كتب بواسطة الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
2043 مشاهدة
نية الصيام معناها قصدُ القلب له
جاءتني رسالة فيها سؤال عجيب يقول مرسلها: أشك في صحة نية الصيام، ويستوضح عن حكم صيامه؟
أولاً: النية هي تصور العمل قبل أن يُشرع فيه، أي أنها التفكير قبل الإتيان به، فمن سمع وهو في بيته قرع الباب، فهذه هي "النية".
ثانياً: هذا التصور يكون بالقلب، أي بالفكر دون اللسان، ولا يقول بلسانه "نويت أن أقوم لفتح الباب"، وربما قالها تأكيداً لعزمه وذلك نادر الوقوع، فالنية هي العوم بالقلب على فعل الشيء.
وقد قرأت مرة في كتاب جامع لأحكام النية، لمحام مصري قديم، غني وجيه عالم، اسمه أحمد بك الحسيني، كلمة عجيبة ولكنها صادقة، هي قوله: "الإنسان العاقل المستيقظ المختار"- أي الذي ليس مجنوناً ولانائماً ولا مًكْرهاً- "لا يمكن أن يعمل عملاً بلا نية".
ثالثاً:فكل مسلم يسمع مدافع رمضان، أو يعلم بدخوله، ينوي الصيام، حتى لو قلت له: ماذا تتغدّى غداً. لقال لك:أتغدى؟ إني صائم، غداً رمضان. فكيف يشكُّ إذن في صحة صومه؟.
رابعاً: والنية هي التي تفرق بين العادة والعبادة. فقد يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب وكل ما يفسد الصيام من الفجر إلى الغروب، ولكنه لا ينوي الصيام ولا يفك فيه، بل يكون مشغولاً، أو فاقداً الطعام، أو امتنع لسبب غير ذلك، من غير نية الصيام..فهذا ليس بصائم ولا يثاب ثواب الصائم.
خامساً: وحديث"إنما الأعمال يالنيات" من أصوب يوم القيامة "ماذا عملتم؟" فقط، بل يسألنا أيضاً "لماذاعملتم؟" فقد يتّحد العمل وتختلف النيات، فيختلف حكمه عند الله. ويوم الهجرة خرجوا جميعاً من بلد واحد، إلى بلد واحد، ومَشوا في طريق واحد، فكانوا مشتركين في ذلك كله، لكن لما جاء السؤال عن النيات والمقاصد، أخرج منهم من هاجر لامرأة ينكحها، أي يريد أن يتزوّجها فسافر مع المهاجرين من أجلها ، ومن هاجر لدنيا يصيبها، أو أموال يكتسبها... ولم يبق إلا من كانت هجرته إلى الله وابتغاء ثوابه.
سادساً: والنية قد تجعل الطاعة الظاهرة مصيبة، كمن يصلي رياء لا يريد بصلاته وجه الله، وقد تجعل الكسب واللذة والأعمال الدنيوية المباحة: طاعة وقُربة، إن لم تكن مخالفة لما شرع الله، ونوى بها نية تقرّبه إلى الله، حتى أن الرجل يأتي امرأته ويكون له على ذلك أجر.
سابعاً: وقد يكون للعمل الواحد ثواب عدة أعمال، كمن ينوي بذهابه إلى المسجد صلاة الجماعة، والاعتكاف، وصلاة الجنازة إن وُجدت، ومساعدة المحتاج وإعانة الضيعف وتكثير سواد المسلمين فإنه ينال ثواب ذلك كله بالنية ولو لم يفعله.
ثامناً: وحديث "إنما الأعمال بالنيات" فيه شيء من مجاز الحذف، أي أن فيه كلمة محذوفة هي " إنما صحة الأعمال" أو "إنما ثواب الأعمال" لأن النيات لا تبدل نوع العمل، فإن ضربت رجلاً، وأنت تنوي بذلك مصافحة له، ولكنها تبدل نتائج الأعمال عند الحساب أمام الله.
المرض المبيح للفطر هو الذي يُعرف بالتجربة أو بإخبار الطبيب المختصّ
المريض متى يجوز له الفطر؟
أولاً: إذا كان مريضاً يزيد مرضه، أو كان صحيحاً والصيام يمرضه فإن له أن يفطر.
ثانياً: ويعرف ذلك بالتجربة الشخصية، كأن يشرع في الصيام فيمرض أو يشتد به المرض، وبإخبار الطبيب الحاذق (الطبيب المختص) ويفضل أن يكون مسلماً متمسكاً، فإن قال له الطبيب إن الصيام يضره، يفطر.
ثالثاً: وكذلك المرأة الحامل والمرضع إذا كان الصيام يضرها أو يضر ولدها.
المفطرات نوعان: منصوص عليها ومجتَهد فيها
3. جاءتني عدة أسئلة تدور حول وضع ضابط لما يُفطر الصائم وما لا يُفطره؟
1. إن المفطرات المنصوص عليها هي الطعام والشراب، والإنزال والإدخال، والقيء عمداً، والحيض والنفاس، وهذه هي المتفق عليها.
2. فإن دخل شيء إلى الجهاز الهضمي من الطريق المعتاد أي من الفم مما ليس بغذاء، أو دخل شيء مما هو غذاء من غير الطريق المعتاد كالحقنة في الوريد وما يشبهها فهذا مما اختلف فيه العلماء، هل يفطّر أو لا يفطّر؟
ومثل ذلك الكُحل وهو عند الأكثرين لايفطّر، فإن تسرّب إلى الفم وأحست المرأة بطعمه فلا تبتلعه، وكذلك من هو مريض بالربو ويستعمل "البخّاخ" فعليه أن يمتنع عن بلعه حتى يتمضمض ولا يُفطر إذا لم يبتلعه
.
ذوق الطعام من غير ابتلاع شيءِ منه لا يُفطر
إذا المرأة ذاقت الطعام عند الطبخ هل تُفطر؟
إذا ذاقت المرأة الطعام خوفاً من أن يزيد ملحه أو أن ينقص، إذا ذاقته بلسانها ولم تبتلعه فإنها لا تُفطر.
وكذلك إذا أراد الرجل-لا فرق في هذا بين الرجل والمرأة-شراء طعام فذاقه ولم يبتلعه فإنه لا يُفْطر.
من كتاب "فتاوى عليّ الطنطاوي"
ط دار المنارة-جُدّة
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة