فطور رمضان الإقلال من المباح
المائدة الرمضانيةرمضان شهر البركة، فالأخ يَشتهي بالطيبات أخاه، والجار إذا طبخ يسكب منَ الطيبات الحلال لجاره، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طبختم اللحم فأكثِروا المرق، فإنَّه أوسع وأبلغ للجيران".
ولكنَّ الشهر شهرُ صبر وجلَد، ويَجوع ويعطش فيه المسلِم العبد؛ استِعْدادًا ليومٍ فيه الجوع والعطش يطول، ومنه تؤخذ دروس التحمُّل استِعدادًا لامتحان القَبول.
كان رسول الله r يفطر على رطبات، قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تَمرات، فإن لم تكن، حسا حسوات من ماء.
فصوم النَّهار وترك اللَّذيذ المباح، لا يتبعُه في الليل من شدَّة الأكل الصراخ والصياح، فمن الدروس تؤخذ العبرة، وبذلك تُنال السعادة والمسرَّة، وعلى كل حال، فالإقلال ثُمَّ الإقلال، ولو كان من الحلال.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
فتذكَّر المساكين والفُقراء، وأنت في حالة بحبوحة ورخاء، قد يشعرك ما بهم من أسى، وفي حالهم عبرة لا تنسى، فأفِضْ عليْهِم إن كان لديك من فائض، والزم الطاعات والفرائض.
أو اشعر بحالهم الصعبة، فالدنيا أحوالها غريبة عجيبة، فاليوم قد يكون لك، وغدًا يكون عليك.
قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].
الإسراف في الطعام:
العجب العجاب في أحوال الناس، فمائدة العائلة تكفي لإطعام مائة من الناس، ولا يُستهلك منها سوى القليل، وما يفيض يُرمى في البرميل، والشهر قد تحول إلى شهر تسوق، من كل أصناف الأطايب والتي لها نفس تتوق، من كل صنف ولون، وبشتى طرق الطهي والفنون، والمال الكثير من أجل ذلك يبذخ، والثلاجة من كثرة ما فيها من اللحم تبدو وكأنها مسلخ، الخضار والفاكهة، والحلويات الفارهة، وما لَذَّ وطاب، وكله مقيد في حساب.
ويصاب الصائم من كثرة الأكل بالتخمة، وكأن ليس لجسده من حقٍّ، والنفس تصرخ اللهمَّ الرحمة الرحمة، الأكل ثم الأكل، فلا يوجد لهذا بديل أو حل، من هذا الصنف أو ذاك، من أيِّها تَختار وما أدراك، من الصنوف الكثيرة، فالاختيار منها يوقع في حيرة.
قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
وكم من جار قد أفطر على شربة من ماء، ويشتهي أن توجد قطعة لحم في الحساء. وكما قال رسول الله r: "ليس المؤمن بالذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه".
فكيف تشعر بلذة رمضان، وما فيه من خير وإحسان، إن كان مَن بجنبك جائعًا وأنت شبعان؟!
فاغتنم يا أخي هذا الشهر، وتَزَوَّد منه كُلَّ خير، فالعمر مَحدود، وما ولى فلا يعود، وإذا كنتَ ممَّن عليهمُ الله قد مَنّ، وزادهم من فضله، فكن ممن ينفقون في سبيله بلا أذى ولا مَنّ.
وكما قال رسول الله صَل: "مَن فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء". فلا تضيع هذا الأجر، وَفَّقَك الله إلى كل خير، وأعط مما تحب، فستلقى بإذن الله في الآخرة ما يرضيك وما تحب.
قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92].
واحرص أخي على صدقة الفطر، فهي طُهرة للصائم في هذا الشهر، فيسعد بها المحتاج والمسكين، والله بفضْلِه يُغْنِي ويُعين، فلله الحمد وبه نستعين، ولكن كم يشعر أخوك بأنَّك تذكره، وتحنو عليه ولا تنكره، وتتمنَّى له الخير وعلى نفسك قد تؤثره، فيفرح لهذا ويفرح صغاره.
وكما جاء في الحديث الشريف: "فرض رسول الله r صدقة الفطر طهرة للصائم منَ اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فمَن أَدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أَدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة منَ الصدقات".
المصدر: كتاب (منة الرحمن في شهر رمضان - مقامات رمضانية).
المصدر : قصة الإسلام
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة