اذهبوا بها فارجموها
روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن سبيعة القرشية قالت: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم عليَ حدَ الله. قال:"اذهبي حتى تضعي ما في بطنك". فلما وضعت ما في بطنها أتته – ولو لم تأته ما سأل عنها – فقالت: يا رسول الله قد وضعت ما في بطني. قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه". فلما فطمته أتت النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: إني قد فطمته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"من لهذا الصبي"؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. فرئي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكراهية، فقال:"اذهبوا بها فارجموها".
حقاً إنهم طراز خاصٌ من الناس!
ومن أيّ النواحي أتيت هذا الخبر وجدت عجباً من العجب!
لا أدري من أيِها والله أنا أتعجّب؛ أمن اعترافها بالزنا وإقرارها بما فيه حتفها وهلاكها؟!
أم من تردُدها على رسول الله دون كلل أو سآمة أو جزع. كلُ ذلك بتجلُد وتصبُر نادرين!
أم من قبول الرجل الأنصاري ولداً من زنىً وانتدابه لرعايته وعنايته؟!
أم من قرار من هو بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، وصبِ الحجارة بأمر ذي الجلالة؟
"كل بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون".
ما دام البشر على ظهر البسيطة فستوجد الخطيئة!
ولو خلا جيلٌ من الأسواء لخلا منها جيل الأصفياء!
والجيل لا يمتدح بعدم وجود الخطايا؛ لكن يمتدح بعدم الإصرار أو الإشهار، فهو رزيّة الرَزايا، وبليّة البلايا!
لم تطلب الشريعة منا العصمة، ولا يتأتّى منا ذلك؛ لأنه خارجٌ عن طوقنا؛ ولكن تطلب منا التوبة، وإلى الله الأوبة.
ولا مساغ في الشرع المطهَر الحكيم لإقامته هذا الحدِ على المنتهك له المتعدّي عليه: إلا شهود أربعة، أو إقرارﹴ من صاحبه واعتراف.
وكأننا بهذا المرأة القرشية الحرّة تأبى عليها نفسها الصبر على تذكُر هذه الخطيئة؛ التي تتلوّى على حرِها اللاّهب، وعتابها الصاخب.
وكأني بهذه القرشية لا تطيق صبراً على رؤية هذع الثمرة المرّة التي تذكّرها بعلقم الغفلة، وحنظل الشهوة!
يسقط وليدها فتتساقط عليها الأحزان، وتحيط بها من جميع الأركان، آلامٌ جسام، وتباريح عظام.
وكأني بها تقول له: ويحك أين أذهب عنك، أو تذهب عني؟!
تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم علَها تلقى جزاءها، وتذهب شقاءها.
وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلّم يكره مجيئها ويشتهي عدم رؤيتها؛ رغبةً أن ترجع عن إقرارها ليعود عليها بالسلامة من هذه الملامة.
رحمة الله واسعة؛ أين نذهب بالولد؟ من يرضعه حتى الفطام إن رحمناك بالعذاب وشديد العقاب؟!
بلغ الفطام، واستقام عوده بسلام، وفي صدرها تفطم الآلام، مع الأيام فلا تهنأ بمنام، ولا تلتذ بطعام، إنها تريد الراحة والأمان، من كرب يوم القيام بين يدي العلاّم بصحبة سيد الأنام.
هو بين يدي رسول المرحمة والملحمة، ينظر إليه متعجباً وقد استقام عوده، وصلب، ورجاء أمه أصلب وطلبها أعجب وأغرب.
ويكفل الصبيَ من يعتقد أنه وإن كانت تلك الخطيئة منبته، فأمر أمه ينميه، ورجاؤها سيعليه!
ما ذنب هذه النفس؟! ثم إنَ أمه قد هانت في عينيها الشهوات، وتجلّدت للحجارة القاسيات، والضربات العظيمات، والصدمات العنيفات في ظلِ إرضاء رب البريّات بحضرة سيِد الكائنات.
إنها ولو نزفت وتخبَطت في دمائها؛ لكنها ستروّي بذلك شجرة خلدها، وطوبى أنسها!
"اذهبوا بها فارجموها" ما قالها الرحيم على مضض إلاّ ليرحمها، وقد رحمت!.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة