هل لدينا الوقت الكافي لتربية أولادنا؟
نتحدَّث اليوم كثيراً عن مبادئ التربية الحديثة، وعن أهمية العلاقة بين الآباء والأبناء، وعندما نتطلع من حولنا نلاحظ أن عدداً كبيراً من الأهالي _ بالأخص الجيل الجديد _ يحاولون فعلا ً تطبيق هذه المبادئ، لكنهم سرعان ما يفشلون ويشعرون بخيبة الأمل، وذلك لأسباب كثيرة؛ أهمها: ضيق الوقت.
إن الثروة الأكبر لدى الأهل اليوم هي الوقت، فالأهل لا يجدون الوقت الكافي للتمتع بأولادهم الذين وصفهم القرآن الكريم بزينة الحياة الدنيا، وتتعدَّد الأسباب والمشكلة واحدة. وأكثر ما يطالعنا اليوم هو عمل الأب والأم طيلة اليوم، من ساعات الصباح الأولى إلى ما بعد المغرب بدوامَين، وكل ذلك بحجة توفير متطلبات الأولاد التي باتت لا تُحتمل، وتحتاج لأرصدة في البنوك وأموال طائلة، وهنا تكمن مشكلة العصر الكبرى. إذن نحن بحاجة إلى حلول سريعة في ظلِّ هذه المشاكل. فمستحيل مطالبة الأهل بتغيير نمط حياتهم؛ لأنهم أوَّلاً لن يقتنعوا، وثانياً ليس لديهم القدرة على مواجهة مشاكلهم المادية إلَّا بزيادة ساعات العمل.
• ما الحلُّ إذاً؟ !
نحن نحتاج لحلول جديدة عصرية لا نمس فيها واقع الحياة، وليس الأمر بالسهل. فكثيراً ما نرى الأهل يلومون أنفسهم لأنهم لا يستطيعون البقاء مع أولادهم لتدريسهم أو لحل مشاكلهم مهما كانت. لذلك نقول للجميع: إنّ الحلَّ موجود، ولكن يحتاج إلى الوعي والتدبر. ومن أهم ما يجب القيام به هو رصد الأولويات في حياة الأبناء التي في الأغلب يجهلها الأهل. ليس المهم كم من الوقت نقضي مع أولادنا، ولكن المهم كيف نقضي هذه الفترة البسيطة السريعة بشكل صحيح وفعَّال. ونحن نتكلم الآن عن الكيف وليس الكم.
أكثر ما يحبُّه الأولاد ويؤثِّر بشكل إيجابي على حياتهم وأدائهم هو الحديث عن نقاط قوتهم وعن إنجازاتهم، وعن الأشياء الحلوة التي يتميَّزون بها، وتجاهل نقاط ضعفهم والأمور التي عجزوا عن تنفيذها.
فإذا كان الوقت الذي سنمضيه مع أولادنا قصيراً جداً فلننتبه إلى جعل هذه الدقائق مميَّزة وممتعة، وهذا عكس ما يفعله الأهل اليوم؛ إذ إنّ من أولوياتهم الحديث عن قوانين المنزل، وعن النجاح والرسوب، وعن الأمور التي لم يستطع الولد تنفيذها لضعفه تارة أو لإهماله تارة أخرى، وفي كلا الحالتين الحديث يحوِّل الجلسة إلى معاناة يعيشها الأولاد حيث يشعرون بخيبة الأمل، إذ إنّهم كانوا وبطريقة لا واعية يحلمون بلقاء ودِّيٍّ وببعض الدعم المعنوي الذي يخفف من غضبهم الداخلي وشعورهم بالذنب.
عندما نتحدَّث عن الأولويات في التربية لا بدَّ لنا أن نلحظ مشاكل أبنائنا التي يحاولون التكتُّم عليها أو تجاهلها أو إنكارها، وإنَّ تجاهلنا لهذه المشاكل من شأنه أن يفاقم الأمر. فالولد عندما يحتاج للمساعدة؛ على الأهل الاستجابةُ السريعة؛ ولكن بتفهُّم ومرونة في وضع الحلول. والخطأ الأكبر هو تجاهل وجود المشكلة عند الولد بحجة ضيق الوقت. لذلك ننصح بشدة أن يتخطى الأهل عائق ضيق الوقت لإنقاذ الولد أولاً والعائلة ثانياً من مشكلة يمكن أن تتحوَّل إلى مأساة عائلية تشلُّ حياتنا.
نحن نحاول أن نستغلَّ كل دقيقة معهم، لربما نمضي يوماً أو يومين دون أن نجلس وإياهم جلسة وُدٍّ ومحبَّة، ودون أن ننظر إلى وجوههم، إلى ابتساماتهم، إلى عيونهم التي تتحدَّث من غير كلام. لذا علينا أن نصارحهم وأن نوضِّح لهم أنَّ غيابنا عنهم هو لمصلحتهم ولتأمين متطلباتهم الأساسية، وأننا نشتاق إليهم أثناء وجودنا في مكان عملنا. ونستطيع أيضاً أن نعبِّر لهم عن مشاعرنا برسائل بسيطة بين الحين والآخر من مراكز عملنا عبر الواتس آب نشعرهم بها بأهميتهم في حياتنا. وقد سمعت الكثير من الأمهات يرسلن مقاطع صوتية كلُّها عبارات حبٍّ وحنان واشتياق لتطمين الطفل وهو في الحضانة أو في رعاية أحد أفراد العائلة.
39 / 40
يبقى هناك الشقُّ الأهم في موضوعنا، وهو معرفة الأمور التي يجب الابتعاد عنها لأنها تشكِّل خطراً على علاقتنا مع أولادنا؛ ألا وهي تحميل أولادنا ذنب التعب الذي نشعر به، وأن وجودهم في حياتنا هو السبب في كل هذا العمل الإضافي. وبنفس الوقت هناك آباء يتجاوزون ذلك إلى ما هو أخطر؛ وهو أن يبيِّنوا لأولادهم أن وجودهم هو مصدر تعاسة حياتهم، وبدون الأولاد ستكون أفضل. وأيضاً من المخاطر أن يدخل الأهل إلى البيت بعد غياب وقت طويل وأوَّل ما يَسألون عنه هو إنجاز أبنائهم للواجبات المدرسية، والدرجات التي حصلوا عليها في دراستهم، ونظافة البيت، والتزامهم بالقوانين، وتنفيذهم للأوامر التي لا تعدُّ ولا تحصى؛ متجاهلين مشاعر أولادهم واحتياجاتهم الحقيقية التي إن أعطيناها الاهتمام كان لها الأثر القوي في التجديد اليومي لأواصر الحُبِّ والعلاقة الصحيحة مع كل أفراد العائلة.
إنَّ ما يحتاجه أبناؤنا منا هو الدعم العاطفي أولاً، بمعنى أننا يجب أن نؤكد لهم، بأسلوب أو بآخر أننا نحبُّهم ونسعى جاهدين لإسعادهم، وهم بدورهم عليهم السعي لإسعادنا كأهل. ولن يكون ذلك إلا عن طريق المناقشات والحوارات الهادفة. وهذا الحوار لن يستغرق وقتاً طويلاً، ويتناسب بلطافته مع الوقت القصير المتوفِّر لنا. ومن جهة أخرى علينا توجيههم بطريقة غير مباشرة لاحترام طريقة عملنا واحترام مبدأ غيابنا عن البيت لفترات طويلة، ونطالبهم أيضاً بدعمنا عاطفياً عندما نعود متعبين منهكين، وندفعهم إلى عناقنا صغاراً كانوا أم كباراً، ونعوِّدهم السؤال عن أحوالنا، فالحياة لا تبنى على مبدأ الأخذ دون العطاء.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة