مستشارة أسرية
كيف تختار زوجتك؟
وددتُ أن أكتب مقالًا للشباب يُعينهم ليُحسِنوا اختيار الزوجة الصالحة، ورجعتُ لمقالاتٍ عدَّة أثناء إعدادي للكتابة في الموضوع، فوقعتُ على كنز ورأيتُ أن أضعه بين أيديكم، فذاك المقال لا بد أن يطَّلع عليه كلُّ شاب مُقبِل على الزواج، وهو بعنوان "زوجتي"؛ للشيخ الجليل علي الطنطاوي.
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته إنه سعيد بزواجه، ومستريح في حياته مع زوجته، ويقر بفضلِ الله عليه، وأراد أن يذكر حسنات زوجته إجلالًا وحبًّا لها، ولكي يستفيد الشباب من تجرِبته، ويوضح الشيخ الجليل أن المعايير التي اختار بها زوجته هي سبب سعادته، وكتبها في تسعِ نقاطٍ؛ ليستفيد منها كلُّ راغب في الزواج، سأضع لكم تلك النقاط باختصار، يقول الشيخ:
• أولها: أني لم أخطب إلى قومٍ لا أعرفهم، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم:
أعجبني اختيارُ الشيخ لتلك النقطة ليبدأ بها، فذاك هو الخطأ الذي يقع فيه شبابُنا عندما يتزوجون ممن لا يعرفون عنهم أي شيء، لا طباعًا، ولا سلوكيات، ولا حسنات، ولا سيئات، فينكشف لهم بالمخالطة خلافُ ما سمِعوا من هنا وهناك، فمن المفيد أن يطَّلع الشاب على حياة مَن سيتزوجها في بيتها، ويطلعوا هم على حياته عن قربٍ، فالتعارف، والتزاور، وتبادل الحوارات، ودعوات متبادلة على موائد الطعام - قد تفيد، أما ما نسمعه من انقطاع تامٍّ بين العائلتين، فلا يُحدث تواصلًا ولا تعارفًا إطلاقًا، إلا زيارة كل شهر، أو لا زيارات ولا حوارات، وكأنهم يشترون شيئًا وينتظرون موعد وصول الطرد - وهو العروس - بحجة أن هذا أفضل! فهذا غير مقبول، فالزواج يحتاج لمساحة ودٍّ لتنكشف بعض الطباع والعادات.
وأضاف الشيخ بعد شرحه لتلك النقطة أمرًا هامًّا آخر قائلًا:
• والثاني: أني اخترتُها من طبقةٍ مثل طبقتنا:
وكلام الشيخ هنا المقصود به التكافؤ الاجتماعي، فعندما يتزوَّج الشاب مِن فتاة وضعُها الاجتماعي قريبٌ من وضعه، يُيسِّر هذا سبلَ الالتقاء الفكري وغيره؛ فالمعيشة والحياة، وطريقة الكلام، والملابس، وحتى العادات البسيطة: ركن وثيق في صرح السعادة الزوجية، وكما نرى أحيانًا بعض العائلات تكره زوجة الابن؛ لأنها قالت كذا، أو فعلت كذا، رغم أن هذا أمرٌ عادي في طبقتها الاجتماعية، وبيئتها التي تعيش فيها؛ لهذا تخيَّر مِن طبقة مثل طبقتك.
ثم انتقل الشيخ للحديث عن الثقافة والتعليم؛ حيث قال:
• والثالث: أني انتقيتُها متعلِّمة تعليمًا عاديًّا، شيئًا تستطيع به أن تقرأ وتكتب، وتمتاز من العامِّيَّات الجاهلات، وقد استطاعت الآن بعد ثلاثةَ عشرَ عامًا في صحبتي أن تكون على درجةٍ من الفهم والإدراك، وتذوق ما تقرأ من الكتب والمجلات، لا تبلغها المتعلمات:
كان هذا اختيار الشيخ، وكانت زوجتُه على قدرٍ من الذكاء، مما جعلها ترتقي لمستوى الحاصلات على شهاداتٍ أعلى منها، لكن الأمر يختلف من شابٍّ لآخر، فقد لا تقبلُ أنت هذا، فلك حرية الاختيار، أن تختارها مهندسة مثلك، أو معلمة مثلك، أو طبيبة مثلك، أو حاصلة على شهادة تكافئ شهادتك، فالأمر لك، المهم ألا تُقيِّم الفتيات فتضعهن في القمة إن كن خرِّيجات كليات القمة، وتصنف الباقياتِ كلَّهن في القاع؛ لأنهن لم يدخلن كليات القمة!
فقد أخبرتني فتاة حاصلة على شهادة ممتازة أن هناك شابًّا يود خطبتها، ولكن على شرط أن تكمل دراستها قبل أن يخبر أهله، وإلا فالأمر بالنسبة إليه صعب؛ لأنه طبيب، وكانت قد أنهت دراستها، وتشعر بالضغط الشديد من طلبه لهذا الأمر، رغم أنه مقتنع بها كإنسانٍ، فهو يراها أقل منه رغم أنها حاصلة على بكالوريوس! وهذا تفكير خاطئ منه، وتقييم غير عادل للفتاة.
كما رأيت طبيبة ترفض الزواج من مهندس؛ لأنها ترى أنها أفضل منه؛ لأنها طبيبة، وتلك أصابتني بالذهول!
وتحدَّث الشيخ عن الجمال، وذاك حلم كل الشباب، فقال كلامًا يُوزَن بالذهب عندما قال:
• والرابع: أني لم أبتغِ الجمال وأجعله هو الشرطَ اللازم الكافي كما يقول علماء الرياضيات؛ لعلمي أن الجمال ظلٌّ زائل، لا يذهب جمال الجميلة، ولكن يذهب شعورك به، وانتباهك إليه؛ لذلك نرى من الأزواج مَن يترك امرأته الحسناء، ويلحق مَن لَسْنَ على حظ من الجمال:
أيها الابن الكريم، قد تتوقُ نفسك لزوجة جميلة، وهذا حقك، حقك أن تختارها بيضاء إن أحببتَ، وشقراء إن أردتَ، وسمراء إن رغِبتَ، رفيعة أو طويلة، أو أي صفة مما تميل إليها نفسك، فأنت تتزوَّج لتعفَّ نفسك وتغضَّ بصرك، ولكن لا تجعل هذا هو الشرط الوحيد لاختيار زوجتك، فهناك أمور أخرى لا بد مِن أخذها في الحسبان، فأنت بشر وهي بشر، وقد تمر عليكما لحظاتٌ لا يكون للجمال فيها قيمة، وتحتاجان فيها للأصول والأخلاق والمعدِن النقي، فاجمَع بين كل هذا، وتخيرها جميلة بالحد الذي تستقر له نفسك، وتقرُّ به عينك، ولا تنتظر الكمال، فكل إنسان لديه عيوب، وأنت لديك عيوب، والكمال لله وحده.
وتحدث الشيخ عن أهم نقطة في نظري، وهي عَلاقته بأهل زوجته، فقال:
• والخامس: أن صلتي بأهل المرأة لم يجاوز إلى الآن - بعد مرور قرن من الزمان - الصلة الرسميةَ؛ الود والاحترام المتبادل:
وكما ترون، كان الشيخ قاضيًا، ومرت عليه الكثير من المشاكل بين الأزواج، ولعل تلك الحدود الرسمية هي مِفتاح الاستقرار لأي زوجين، فتدخُّل الأهل بشكلٍ مبالغ فيه يجعل الأمور أكثرَ حساسية، ويُعرِّض الأسرة للكثير من المشاكل، فلا بد من وجود منطقة خاصة بالزوجين فقط، فالمشاكل التي تخرج عن حدود البيت تكبرُ وتتعملق، وحتى لو انتهت بين الزوجين نفسَيهما، فالأب لا ينسى، والأم تظلُّ مقهورة على ابنتها، فلا تنقلا ما حدث بينكما للوالدين؛ لأنكما ستنسيان الأمر لكنهما لن ينسياه، ووالله لو تُرِك الزوجان المختلفان ولم يتدخل بينهما أحد من الأهل، لانتهت المشاكل.
والآن تعالوا لنقطة لطيفة قالها الشيخ بأسلوبه المحبَّب إلى القراء؛ حيث قال:
• والسادس: أننا لم نجعل بدايةَ أيامنا عسلًا كما يصنع أكثر الأزواج، ثم يكون باقي العمر حنظلًا مرًّا، وسُمًّا زعافًا، بل أريتُها مِن أول يوم أسوأ ما عندي، حتى إذا قبِلت مضطرة به، وصبَرتْ محتسبة عليه، عُدْت أُريها من حسن خُلقي، فصرنا كلما زادت حياتنا الزوجية يومًا، زادت سعادتنا قيراطًا:
صدق الشيخ، الحياة ليست كلها عسلًا، وليس هناك شهر واحد فقط للسعادة! لا توجد مثالية، وليس هناك شخص كامل، أنت لديك عيوب، وكذلك زوجتك، والحياة ليست وردية على الدوام، ولكن رجاءً لا تتعلَّلوا بما فعله الشيخ، فتُظهِروا لزوجاتكم ما يُنفِّرهن من الزواج من أول يوم، فلا أظنكم تملكون حكمته، المقصود أن تكون تلقائيًّا وعلى طبيعتك، وتتقبل أن الطرف الآخر ليس ملاكًا يمشي على الأرض، وأنه نفس ستضيق أحيانًا وتمل أحيانًا وتخطئ أحيانًا، وأن يرى هو هذا فيك.
• والسابع: أنها لم تدخل جهازًا وقد اشترطتُ هذا؛ لأني رأيتُ أن الجهاز من أوسع أبواب الخلاف بين الأزواج:
وعندما كتب الشيخ عن النقطة السابعة تحدث عن أمر كان هو الأصل، لكن العُرْف والتقاليد وما آل إليه حال الزواج في مصرَ قَلَب الأمور، فأصبح الزواج صفقةً، وارتفعت تكاليف الزواج بما لا يُطيقه الأب ولا الشاب نفسه، فلو عدنا للأصل ورضِيَت البنات بحال الخاطب، وحتى لو كانت شقَّته من غرفتينِ، وجهزها على قدر إمكانياته، لتيسَّر الزواج، ولو توقف الأهل عن اشتراط المهر والحفلات، وغيرها من أشياء ترهق الطرفين، لكان الأمر أيسر، فليت البنات ترضى وتتنازل، وليت معايير المجتمع تركع مرَّة أخرى؛ لتكون أمور الزواج أكثر يسرًا ورحابة.
• والثامن: أني تركتُ ما لقيصر لقيصر، فلم أدخل في شؤونها من ترتيب الدار وتربية الأولاد، وتركتْ هي لي ما هو لي من الإشراف والتوجيه:
جميل جدًّا ما فعله الشيخ بحكمته، جعَلها تشعر أنها ملكة في بيتها، أعطاها مساحة تعيشها وتُثبِت وجودها فيها، حمَّلها مسؤولية البيت وهو يراقبها، وهو بجوارها ولم يتركها، وكثيرًا ما يكون سبب الخلاف إصرار الرجل على التدخل في كل صغيرة وكبيرة في البيت، حتى إن بعض الأزواج يتدخلون بشكل مرَضي في حياة زوجاتهم؛ فيما تأكله فيختار على مزاجه وكأنها لا تشتهي شيئًا، وساعة نومها، وموعد استيقاظها، ويؤنبها لو غيَّرتها، وما تقرؤه، وكأنها لا تشعر، وليس لديها رأي ولا شخصية؛ مما يسبب تضجرها وتصاعد الخلافات، ويطالبها بطاعته في تلك الأمور، بحجة أن ذلك من طاعة الزوجة لزوجها، وبعض الزوجات تصمتُ وتتراكم داخلها المشاعر السلبية، فتشعر بالضغط، وقد تنفجر في أي لحظة.
وأنهى الشيخ كلامه بنقطة بدت كمظلَّة كبيرة تمثل حماية للبيوت؛ حيث قال:
• والتاسع: أني لا أكتمها أمرًا ولا تكتمني، ولا أكذب عليها ولا تكذبني:
الصدق والصراحة أقصر الطرق للنفس، أخبِرْ زوجتك بوضعك المالي، وأين ستذهب، وأين كنت، ولا تترك لها المجال لتقلق وتسألك، أخبريه عما يقلقك، أخبرها عن سبب ضيقِك منها إن وجد، أخبريه عن أخطاء الأبناء واستشيريه، الكذب والكتمان والغموض وإخفاء بعض الأشياء يُؤلِم الزوجة، كما يؤلم الزوج، لا أسرار بين الزوجين؛ فكلاكما كنفس واحدة.
وأخيرًا ختم الشيخ الجليل مقالَه الموجَّه للشباب بكلام جميل عن زوجته، وعن نساء العرب؛ حيث قال:
• إن نساءنا خيرُ نساء الأرض، وأوفاهنَّ لزوج، وأحناهن على ولد، وأشرفهن نفسًا، وأطهرهن ذيلًا، وأكثرهن طاعة امتثالًا وقبولًا لكل نصحٍ نافع وتوجيهٍ سديد.
انتهى مقال الشيخ، وذاك أصدق ما بين دفتي كتابي من كلام، رحم الله الشيخ وجزاه عنا كل خير، فاتخذوه قدوة وكونوا على الدرب، لعلكم تسعدون مثله.
♦ ♦ ♦ ♦
منارة حب:
الحب هو ألا تغيب هي عن لسانِك في دعوات السَّحر، ولا تغيب أنت عن لسانها في سجدات الليالي وابتهالات الفجر.
المصدر : الألوكة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة