أمنية بين الحق والخطيئة
اليوم يصادف الذكرى السنوية على أمنية "غدا أجمل" لا أقصد هذا التاريخ الذي يصادف يوم تقرأ مدونتي هذه، ولا تاريخ نشرها، بل أقصد كل يوم، كل صباح، كل ليلة.. منذ أول مرةّ أطلقنا فيها أمنياتنا في سماء الأمل، وحتى هذه اللحظة. بالنسبة لي منذ أن أدركت معنى الأمل، ومنذ عشت خيبة الأمل، وحين جددت الأمل.. منذ أن تجرعت مرارة الصبر، وحين نفذ الصبر، ولحظة اجتررته مرة أخرى عندما لم يكن من خيار سواه.
ودائما كنت أبحث عن سبب يفسر تأخر الغد الأجمل، ومتسائلة متى سيأتي هذا الغد؟ ربما هي لعنة الشيطان التي أخرجتنا من الجنة لازالت تلاحقنا، أم تراه بريئا من كثير من أمنياتنا الضائعة، أم أن الشيطان بات يمشي لحماً ودماً بيننا.. ربما الخلل في أمنياتنا ذاتها!!
هاؤم مثلا: كيف نجرؤ أن نمنّي أنفسنا بالحرية مدى الحياة! ألا يكفي أننا ولدنا أحرار، تلك هي اللحظة المسموحة، أما ما بعد الولادة فحريتك لها مقننات، أنت الآن أيها الطفل وحتى أرذل العمر مواطن في دولة من عالم تحكمه القوانين الدولية، لك حقوق بلا شك ولكن واجبات أيضاً، ولكل قاعدة استثناء، قد يحدث أحياناً أن تُضطر دولتك حماها الله لتأجيل حقوقك لضرورات المصلحة العامة، وقد تسلبك إياها في حالات الطوارئ، المهم أن لا تنسى واجباتك، وإياك والتباطؤ في أدائها فهذا قد يثير الشكوك حولولائك لمن يسهر ليل نهار على إدارة حريتك وحقوقك.. وإياك والمبالغة في فهم الحرية فتسوّل لك نفسك الجهر برأي مخالف، وحبذا لو تغيّب منطق العقل.
أو كيف نجرؤ مثلا أن نطالب بالعدالة! أليست العدالة عند الخالق هو من يتساوى أمامه الخلق لماذا إذا الطمع في عدالة على الأرض كما في السماء؟! أيعقل أن يقف الغني القادر على مدّ يد الرشاوى في طابور المنتظرين؟! أو أن تتقدم على ابن المسؤول لأنك صاحب شهادة متفوق! أو تظن أن مهاراتك وقدراتك تكفي أثناء المفاضلة بينك وبينمنخرط في توجه الدولة سائر على نهج الحكومة! أو أن يسري القانون على الجميع فيساوي بين من تنعم بالقصور وبين من افترش الأرصفة والعتبات! بين من حشد حوله ذوي السلطة، وبين من جاور البسطاء!
أو كيف نجرؤ مثلا على أن ننشد السلام! من سيشتري إذا من تجار السلاح؟! وكيف سنفرض قوانا على الآخرين إذا لم نرفعه في وجههم؟! كيف سنتوسع إن لم نعتدي؟! أين سنذهب بالسايكوباثيين والميغالومانيين الذين تكاثروا وانتشروا؟! ماقيمة القمم والاجتماعات إن لم تنعقد على أطلال الحروب وأي وزن لها إن لم تشتمل الخطابات على التهديد والوعيد والإدانات والاتهامات والقلق والمحاباة؟! وما الطائل من عالم تخسر فيه سوق تجارة الأوطان والقضايا والمبادئ؟!
أو كيف نجرؤ مثلا على طلب حق التعليم والصحة والعيش الكريم! أيعقل أن يصير كل البشر متعلمين وواعين؟! كيف سيساقون يمنة ويسرة إن امتلكوا القدرة على التقييم والاختيار؟! إن أدركوا ما في عقول السياسيين! إن عرفوا حقوقهم ومن يسلبها! إن اكتشفوا الأكاذيب! إن قرأوا ما لا تنتجه مطابع الدولة مما مرق من شعارات الحكومة!
أيعقل أن لا يموت بشر من انعدام العلاج، أو نتيجة بيئة ملوثة، أو جوعاً؟! كيف إذا سيَمنن عليهم المجتمع الدولي ويستكثر؟! كيف سيضمن خضوعهم مستجدين من فرط الحاجة؟! كيف سيحافظ على تصنيفاته بين أول وثالث متقدم ومتخلف وفوق خط الفقر وتحته؟! ما قيمة البطل المنقذ دون ضحية تصرخ؟! وكيف سيستمتعون بتفوقهم لولا تأخر غيرهم؟!
لربما أفرطت في التهكم.. ولكن ليس من منطلق السوداوية، بل من منظور الواقعية.. وليس لنسلم بحتمية الاستسلام للواقع المرير، بل لنؤمن بضرورات الاستمرار في المقاومة.. فوعيُنا بالمشكلة يخلق وعياً بالحل، أي أن ندرك ما يحدث لتغيير ما سيحدث.. ويحدث أن ينزف الأمل، لكنّ طبعه التعافي.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة