نحن (قوم تستعجلون)
استيقظت
بل لم استيقظ لأني لم أنم أصلاً ...
فها هو اليوم الموعود قد أتى.... اليوم الذي انتظرته منذ ست سنين... لا ليس من ست سنين، بل منذ خمسة عشر عاما ،منذ أن تفتحت عيوني على وضع أمتي ...وقررت أني سأربي أولادي بشكل مختلف... سأزرع فيهم العلم وحب العلم... سأنمي مواهبهم... سأدرس من أجلهم ....سأجعل رفعة أمتنا قضيتهم... سأغرس فيهم قيم العزة والثقة و الإبداع..
في صباح هذا اليوم ،أول يوم لتوأمي. في المدرسة، شعرت بخوف.. لا بل بفرح.. لا بل بخوف..
أظنه خوف ممزوج بفرح.. خوف عليهم من فراقي... خوف الا يتفاعلوا مع اصدقائهم الجدد... خوف من العادات السيئة التي قد يكتسبونها..
وفرح بأن صغاري أصبحوا كباراً ..لبسوا ملابس المدرسة وحملوا حقببتهم على ظهرهم... حقيبتهم تلك التي تحوي صندوق الغداء الذي حضرته لهما من وصفات وجدتها على النت ،هل هذا ما ظننتم ؟
لا ليس كذلك... بل حضرته من مشاعري، من فرحي ،من شوقي، من رغبتي بأن أكون معهما ... كانت يدي ترقص فرحاً وانا اتذكر مايجب علي وضعه في هذا الصندوق.. مشاعري تلك انعجنت مع الطعام وأنا متأكدة أنها ستصل لتوأمي...
ركبنا السيارة معاً ....سارت مسافةً قصيرةً في الحقيقة ،و طويلةً في إحساسي...
وصلنا.. وأدخلتهما إلى الصف... وذهبت لاستكمل أوراق تسجيلهما..
كانوا عبارة عن ورقتين..
لا بل مجلد كامل.. هكذا انا شعرت.. متى سينتهون ،وأعود إلى الصف ،لاطمئن على ولديّ ؟؟!!
عندما دخلت الصف مجدداً ..فرحت.
لا بل طرت من الفرح..
صغيري منسجمان جداً مع الآخرين ،لابل وسعيدان أيضاً.. الخطوة الأولى الصعبة التي طالما سمعت عنها من الأمهات ،مرت بسلام... لا بل كانت أفضل مما تمنيت..
عدت إلى المنزل وأنا أرقب تلك الساعة التي غيرت عادتها...
مابالها اليوم تمشي ببطء!!"
عهدي بالوقت أنه سريع!!
أخيراً دقت ساعة الصفر..
عادا من المدرسة.. وقفت عند الباب لاستقبالهما استقبال الأبطال الفاتحين... فها هو مشوار الفتح قد ابتدأ ،وخططي لتربية وتعليم أبنائي سأبدأ بتنفيذها اليوم.. فما عاد الصبر يحتمل ...
كلوا بسرعة.. خذوا وقتاً قصيراً للاستراحة.. ثم تعالوا!!
إلى أين؟؟
إلى الدراسة
أنا كلي حماس.. بالتأكيد أولادي أذكياء ،وسيفهمون علي من المرة الأولى، إنها أمور سهلة وكلمات بسيطة... بضع كلمات لن تتعب طفلي..
حفظ سطرين سهل جداً ..
كتابة الارقام وحفظها!! يالها من مهمة سخيفة!!!
المفاجأة..
كل ما كان في مخيلتي كان هباءً ...طفلي لم يجد الأمر سهلاً كما توقعت.. لا بل شعر بغرابة اتجاهه....لقد تعود أن يكون التعليم كنوع من اللعب ،ينجزه عندما يريد... ولم يتعود عليه كنوع من الواجب..
وأنا أيضاً شعرت بالانزعاج ..لا بل بالاستياء ، هل يعقل أن يكون ابني كذلك!!!
هل يعقل أن تكون الكلمات الثلاث مملة له!!
هل ضاعت أحلامي بدراسة سهلة أدراج الرياح ؟؟
صرخت عليه.. لا بل فقدت أعصابي.
عندها قال لي كلمة ،نزلت علي كماء ساخن.. لا بل كصاعقة.. قال لي:
((ماما الأم لما بتدرس ولادها ،لازم تطول بالها عليهم ،ما تصرخ ))
لقد صحوت من غفلتي... ابن خمس سنوات أكثر وعياً مني!!!
أكثر فهما لكيفية التعامل مني!!!
لابد من وقفة ،لا بل من إعادة تقييم لأحلامي.. ليس ذنبهم أنني لم أكن واقعية و طلبت منهم الكثير..
نعم نحن نريد مصلحتهم ،لكن بأفكار غير واقعية ،واحيانا بمتطلبات لا تنسجم مع قدراتهم و نفسياتهم..
وبأساليب لا تراعي مرحلتهم العمرية... وبكمية دراسة ربما أكثر مما يتحملون..
نعم أحيانا تكون طلباتنا واقعية وضمن ما يتحملون.. ورغم ذلك لا يستجيبون.. هنا لابد من الحزم بدون شتم او سب او انتقاص.
أحلامنا معهم لن تضيع ،لكنها تنضج على نار هادئة ،أما نحن (قوم تستعجلون)
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة