نهاية عصر الجنس
هذا العنوان المثير ليس من تلفيقي وإنما هو عنوان حلقة بحث علمي موسعة كانت لي الفرصة أن أشارك فيها، عقدت في مؤتمر أخلاقيات الإنجاب الصناعي (the ethics of making babies ) الذي عقد يومي 6 و7 نيسان/أبريل من هذا العام 2017 في "جامعة هارفارد" في مدينة بوسطن الأمريكية .
أدار الحلقة البروفيسور < Hank Greely > أستاذ القانون وعلم الوراثة في جامعة ستانفورد، متخصص في القضايا الأخلاقيه والقانونية والاجتماعية الناشئة عن التقدم في العلوم البيولوجية؛ الذي استعرض في هذه الحلقة مختلف الوسائل الاصطناعية المستحدثة للإنجاب التي ظهرت في عصرنا الحاضر (مثل التلقيح الاصطناعي ، والاستنساخ ، وطفل الأنابيب ..) وغيرها من الوسائل الآخذة بالتطوير والانتشار، وقد بشر المذكور بانتهاء عصر العلاقات الجنسية التقليدية (البالية ! حسب تعبيره) وبداية عصر جديد سوف تحل فيه هذه الطرائق المستحدثة محل العلاقات الجنسية التي ورثها البشر عن الآباء والأجداد !؟
وقد وجه البروفيسور نصيحته - وهو يقهقه ضاحكاً - إلى طلاب وطالبات كلية الطب الحاضرين أن يسارعوا إلى الارتواء من "كأس الجنس" حتى الثمالة قبل أن يبدأ هذا العصر الجديد، ويتوقف البشر عن ممارسة الجنس إلى غير رجعة !!
وقد يكون في قول هذا البروفيسور (!!؟) جزء كبير من الحقيقة ، فقد استمعنا على مدى يومين من المؤتمر عشرات المحاضرات والبحوث والدراسات الاجتماعية التي عرض فيها العلماء والباحثون عشرات الطرائق الجديدة للحمل والإنجاب بوسائل اصطناعية، يدخل فيها ( الحابل بالنابل) كما يقول المثل، فقد أصبح شراء السائل المنوي وبيوض النساء أسهل من شراء وجبة من الوجبات السريعة التي اشتهر بها "ماكدونالد" وأضرابه !!
وبطبيعة الحال كان للشركات الكبيرة وجود ظاهر في هذا المؤتمر الذي وجدوه فرصة كبيرة للترويج لهذه الطرائق الحديثة التي سوف تدر على هذه الشركات ثروات طائلة.
لقد حرص المؤتمر على التبشير بهذا العصر الذي بدأت بعض فصوله فعلاً وراحت تتخطى كل الخطوط الحمراء - الدينية والأخلاقية والاجتماعية - بحجة حل مشكلات العقم ونحوها من مشكلات العلاقة الزوجية !
وطوال ساعات المؤتمر ومحاضراته وتعليقات مشاركيه كنت أتصور الشيطان حاضراً يقهقه ضاحكاً منشرحاً وهو يرى تحقيق ما توعد به لتغيير خلق الله تعالى حين قال بين يدي خالقه بكل سفاهة وحماقة : (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) سورة النساء 119 .
باختصار رأيت في المؤتمر تجسيداً فاضحاً وتحقيقاً عملياً لما توعد به الشيطان من تغيير خلق البشر، وقد حق له أن يفرح وهو يرى وسوساته تتحول إلى حقائق يتسارع العلماء إلى تجسيدها . وتتسابق الشركات التجارية لتسويقها وترغيب الناس بها !
الرأي الشرعي :
الوسائل الصناعية الجديدة للإنجاب تستهدف بالدرجة الأولى علاج مشكلة "العقم" وهذا هدف مباح في الإسلام، بل هو مندوب يندرج في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التداوي حيث قال: ( تداووا عباد الله ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا داء واحدا . قالوا : يا رسول الله وما هو؟ قال : الهرم ) أخرجه الترمذي 4/383 رقم 1961 وقال : هذا حديث حسن صحيح وهو في صحيح الجامع 2930 .
لكن الإسلام يشترط في التداوي تجنب الحرام ، وقد وجدنا في معظم الوسائل المستحدثة للحمل والإنجاب ممارسات محرمة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- استخدام بيضة أو حيوان منوي من غير الزوجين، فهناك اليوم في كثير من البلدان "بنوك حيوية" تتاجر بهذه المواد وتبيعها لمن يريد ، دونما اهتمام باختلاط الأنساب !
2- استخدام خلايا غير جنسية في الاستنساخ ( cloning) مما يخالف فطرة الله في التزاوج وينطوي على مخاطر عديدة تؤثر في الأجيال التي تنتج عن هذه الطريقة .
3- استئجار الأرحام (surrogacy) حيث تلقح بيضة الزوجة بماء زوجها ، لكن تزرع في رحم امرأة غريبة مستأجرة لينمو الولد في رحمها وتلده وترضعه ثم تقدمه لصاحبة البيضة، لقاء أجرة متفق عليها .
ونظراً لما في هذه الممارسات من مخالفات شرعية ، وما قد ينتج عنها من مفاسد فقد وجب أن نضع النقاط على الحروف وأن نبين الموقف الشرعي فيها ، فنقول وبالله التوفيق :
لقد أباح الشارع الحكيم التداوي من كل داء بما فيه العقم كما قدمنا ، لكنه منع استخدام المحرم في العلاج .
وأباح الشارع الحكيم الطلاق والخلع ليعطي الزوج / الزوجة العقيم فرصة للحمل والإنجاب بزواج آخر .
ومادام باب الحلال مباحاً، فلا طريق إلى الحرام، ولهذا نرى اشتراط الضوابط الآتية حول طرائق الإنجاب الجديدة ؛ تجنباً للوقوع بالحرام :
1 – لا يجوز دخول طرف ثالث في العلاقة الزوجية ، فلا يجوز استخدام بيوض امرأة غريبة غير الزوجة بقصد الإنجاب، وكذلك لا يجوز تلقيح بيضة الزوجة بماء رجل غريب غير الزوج .
2 – في حال استخدام إحدى الوسائل الجديدة في الإنجاب؛ يشترط أن يكون هذا حال قيام علاقة زوجية صحيحة بين الطرفين ؛ فلا يجوز في حال موت أحد الزوجين، ولا حال الطلاق بينهما، فلا يجوز استخدام ماء الزوج المتوفى الذي قد يكون أودع ماءه في بنك حيوي . وكذلك لا يجوز استخدام بيوض الزوجة المتوفاة التي قد تكون أودعت بيوضها في البنك .
3 – لا يجوز استئجار الأرحام؛ أي زراعة البيضة الملقحة في رحم غير الزوجة .
4 – من أجل درء بعض المفاسد التي ذكرناها يمنع تأسيس بنوك حيوية في البلدان الإسلامية .
5 – لا تجوز المتاجرة بالأعضاء البشرية عامة ، مع التشديد في منع المتاجرة بالعناصر الجنسية ( البيوض والنطاف ) ومنع المتاجرة بالأعضاء الجنسية ( الخصية المبيض ) منعاً لاختلاط الأنساب .
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة