كاتبة
الدمية
ألقت الرواية المترجمة جانباً, حالما فرغت من قراءتها, وشدت الوسادة إليها تحتضنها لتذهب مع خيالها بعيداً بعيداً .. آه .. متى يكون لي حبيب كأبطال هذه الروايات ؟؟ متى أحيى حياتهم ؟؟
ولم تنتظر طويلاً .. إذ طرق حازم الباب خاطباً, وما إن رأته حتى وافقت من فورها, فقد وجدت فيه صورة مطابقة لأبطال رواياتها, وسابقت أيام الخطوبة- وبها لهفة لا تقل عن لهفته- إلى يوم الزفاف, لتجعل عالم أحلامها الرومانسي .. حقيقة واقعة .
وكما تمنت وحلمت طويلاً .. عاشت أيامها الأولى, أسبوعاً وأسبوعين.. شهراً وشهرين ثم .. بدأت تصحو من عالمها الرومانسي على الواقع .
هتف بها يوماً وهو يرتدي ملابسه صباحاً قبل توجهه إلى عمله :
- عبير .. أين قميصي الأزرق ؟؟
تقلبت في السرير وشدت اللحاف أعلى رأسها وردت :
- أرجوك .. أغلق الستائر
وارتفع صوته : عبير .. أسألك أين القميص ؟؟
رفعت اللحاف عن وجهها وتطلعت إليه مستنكرة وهتفت : لماذا تصرخ ؟؟
رد بحدة : لست أصرخ .. لكني أريد القميص.. لقد تأخرت على عملي..
ابتسمت وهمست بدلع : بسيطة.. لا تذهب إذن ..
زفر بعصبية : أووه .. والتقط قميصاً آخر واستدار خارجاً ليلحق بعمله .. أما هي فعاودت الاسترخاء في فراشها تواصل أحلامها .
وتكررت المواقف .. واتضح تقصيرها في جوانب عديدة.. وحاول زوجها مراراً أن يلفت نظرها إلى أن الزواج ليس حباً ولهواً فقط, وإنما مسؤولية ومشاركة جادة أيضاً .. لكنها كانت تبتسم وتجيب مداعبة : صدقني تبدو ثقيلاً جداً حين تبدأ بمواعظك.. أكيد ثمة ما يضايقك في عملك .. ما رأيك لو نذهب لتناول العشاء خارجاً ؟؟
فإذا شعرت بضيقه منها, تظاهرت بالغضب ونفرت إلى حجرتها, تنتظر أن يلحق بها ليسترضيها, فتعيش فصلاً جديداً ممتعاً من فصول رواياتها .
حتى قدم يوماً من عمله مهموماً, لم تلاحظ ما به, كانت متضايقة لتأخره عن موعد عودته, وأعلنت ذلك بحدة, ولما لم ينطق بحرف .. أضافت بنزق :
- أقضي يومي كله بانتظارك ..لترجع متأخراً عابساً ؟؟
رفع حاجبيه مدهوشاً : ألا تسألين ما بي ؟
- أسألك ما بك ؟؟ خير إن شاء الله ؟؟ ها أنا أراك أمامي بأحسن حال ولا ينقصك شيء سوى هذه ( التكشيرة ) .. ابتسم يا عزيزي ابتسم, تبتسم لك الدنيا وتهون الأمور
ولم يتمالك نفسه أمام برودها, فارتفع صوته :
- ألا تشعرين بي ؟ أبداً ؟ أنا متعب في عملي ومتعب هنا وأنت لاهية عني .. لاهم لك إلا أحلامك وخيالاتك..
شهقت متعجبة : آها .. متعب هنا ؟ وماذا ينقصك هنا ؟
- تنقصني الزوجة التي تهتم بي وببيتها، التي تفهمني و..
وقاطعته محتدة : وأنا لا أهتم بك ..
وصرخ بها : لا .. أنت غارقة في بحور الخيال, ولا تريدين مواجهة الحياة الحقيقية, عبير .. اسمعيني جيداً, أنا بحاجة إلى امرأة حقيقية, امرأة واعية تشاركني أحلامي وهمومي, امرأة تدرك أنها زوجة لها مسؤوليات وعليها واجبات, زوجة .. وليس دمية ألهو بها ..
لم تنتظر حتى تسمع المزيد, وأسرعت إلى حجرتها غضبى كعادتها, لكنه هذه المرة .. لم يلحق بها.
ومر الليل بها بطيئاً بطيئاً .. وخلاله قلبت أمرها في ذهنها آلاف المرات ..
أهذا هو العش الوردي الذي حلمت به طويلاً ؟؟ أهذا هو الفارس الذي سيملأ أيامها بهجة وسعادة وحباً ؟؟
ووجدت أنها لن تستطيع الاستمرار في حياتها معه, بعد أن حطم الصورة الجميلة لكل ما حلمت به ورسمته في ذهنها.. كيف غابت عنها حقيقته ؟؟
إنه لا يشبه أبطال رواياتها.. لا يفهم من الحياة إلا العمل والطعام والقميص النظيف المكوي و ..
هو إذن لا يختلف بشيء عن باقي الرجال الأنانيين والمتعبين و... وتنهدت بأسف .
وفي الصباح رحلت إلى أمها, تندب حظها التعس الذي أوقعها مع من لا يفهم معنى الحب، ولا يقدر قيمة مشاعرها الحالمة وعواطفها المتقدة .
المصدر : صفحة حروف تلوّن الحياة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة