الإرهاب في أرض الكنانة... إلى أين؟
إن كان للمحاريب رُكّعٌ وسُجودٌ، فلها في كل زمان شهداء يرتقون، وكما طُعن الفاروق في مِحرابه، وعليٌّ في صلاته، وعثمان والمصحف بين يديه، حصدت نيران الإرهاب الغادر مئات الأبرياء في بيت من بيوت الله، وفي يوم هو أفضل أيام الله.
من ذا الذي لم تمُرّ عليه ساعة ارتياع وهو يسمع ذلك الخبر المشؤوم، وتلك الطامّة التي حدثت على أرض الكنانة، عندما طوّقت عناصر إرهابية مسجد الروضة في شمال سيناء، وانهالت على المصلين أثناء تأديتهم صلاة الجمعة بالعبوات الناسفة والطلقات النارية، لتسفر المذبحة البشعة عن مقتل ما يزيد على 300 شخص، وإصابة 128 آخرين.
البعض اتّجه في تفسيره للمذبحة بالإشارة بأصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية بالوقوف خلف المجزرة، للتأكيد على ضرورة تهجير السكان واتباع سياسة الأرض المحروقة. والبعض الآخر يرى أن مثل هذه النوعية من العملية الغاشمة تشير بقوة إلى توافد عناصر لتنظيم «داعش» من العراق وسوريا، حيث أن هذا الأسلوب معتاد من قبل التنظيم في العراق خاصة، باستهداف المساجد والمشاهد، وانتقل إلى مصر مؤخرا.
أصحاب الاتجاه الثاني يرون أن استهداف المسجد كان بسبب توجهاته الصوفية، حيث يُعتبر مقرا لإحدى الطرق الصوفية، ولكن إذا كان ذلك هو المغزى، فلِمَ نفّذ المسلحون العملية أثناء صلاة الجمعة، التي يجتمع فيها العديد من الناس، سواء كانوا منتمين إلى الطريقة، أو من عموم السكان، لماذا لم يستهدفوا مثلا مجلسا للطريقة الصوفية تُقام فيه طقوسهم وتُتلى فيه أورادهم؟ لذلك أقول، إنه في كلتا الحالتين، لا يخرج الحادث عن سياق العمل على تهجير سكان سيناء، وتفريغها من أهلها، تمهيدا لصفقة القرن، التي بمقتضاها يتم تهجير الفلسطينيين إلى قطاع غزة وسيناء، لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، فلو سرنا وفق الاتجاه الأخير، لتأكّد القول بأن «داعش» يُنفّذ أجندة خارجية، لإجبار النظام المصري على اتباع سياسة الأرض المحروقة، بعد تهجير السكان، باعتبار أنه الحل الأوحد للقضاء على الإرهاب في سيناء.
إن هذه النوعية من الأعمال تبث الرعب حيال مستقبل أرض الكنانة، فمن المفترض أن النظام قد سخّر كل إمكانات الدولة للقضاء على الإرهاب، وفي ظِلّه تم التغاضي عن الفشل الذريع في إدارتها، أو بمعنى أدق استُخدم كشمّاعة تُعلق عليها أخطاء النظام وقصوره على كافة الأصعدة، ومع ذلك يُفاجئ الإرهاب أهل مصر في كل مرة بعمليات تكشف عن مدى قصور الجانب الأمني، ومدى تنامي قدرات التنظيم، التي لا يمكن بحال من الأحوال إلا أن تكون قد حظِيت بالتمويل والرعاية والتدريب من قِبل أجهزة استخباراتية، فإلى أين يتجه الإرهاب في مصر؟ لو أراد النظام المصري اقتلاع جذور الإرهاب لفعل، فالقضاء على الإرهاب لن يكون إلا بوضع مُحدّدات واضحة في شفافية كاملة لمصطلح الإرهاب، وعدم الزجِّ بأصحاب التوجهات الفكرية والسياسية النائية عن العنف في ذلك المعترك، وإن المتابع ليرى هذا الخلط واضحا في وسائل الإعلام، ليجد المشاهد نفسه أمام شرائح واسعة جدا متهمة بالإرهاب ذلك المصطلح الفضفاض، وترتبك في إدراكه حقيقة هذا المسمى. لو أراد النظام المصري أن يستأصل شأفة الإرهاب، لسعى باتّجاه مُصالحة وطنية عامة، تجتمع تحت مظلتها جميع فئات الشعب، وإنهاء حالة الانقسام والاستقطاب، ومن ثم يُجيّش الشعب كله في مواجهة الإرهاب.
لو أراد النظام المصري مواجهة الإرهاب، لفتح باب الحريات، وأطلق السجناء والمختفين قسرا بغير تهمة حقيقية، وبأدلة دامغة على يد قضاء نزيه، ليتجنب بها انطلاق نزعات عدوانية تُفاقِم المأساة، التي تحمِل البعض على الالتحاق بالمجموعات التكفيرية الإرهابية. ولو أراد النظام المصري القضاء على الإرهاب، لحال دون وجود أي حاضنة شعبية للإرهابيين، وعن سيناء التي أُهملت وتم تهميشها أتحدث، فقد ذهبت مع نكسة 67 ولم تعد حتى الآن، حيث تم عزلها عن بقية أراضي مصر، ولم تتجه إليها مشروعات التنمية والإصلاح، وتغيَّرت تجاهها عقيدة المقاتل المصري، الذي نظر إلى سكانها طويلا باعتبارهم عملاء للصهاينة، وهو ما يدفع بعض السكان لتأييد المجموعات الإرهابية، أو دخول بعض أبناء القبائل تحت راية التنظيم.
إن أفضل ما يُواجه به رئيس النظام المصري، الإرهاب في بلاده، أن يفسح الطريق أمام قيادة جديدة تحظى بإجماع وطني، بعيدة عن الانتماءات والأدلجة، يجتمع عليها الشعب المصري، ويُعطي الفرصة لكل ذي رأي متشبث برأيه أن يكون أكثر مرونة ويتبع ضرورة الاصطفاف، فإذا ما تحقّق ذلك سيتاح للدولة القضاء على الإرهاب اعتمادا على ذلك الاصطفاف. قد يبدو ذلك محض أوهام، إلا أنه ليس هناك بارقة أمل للشعب المصري للخروج من أزماته، خاصة مشكلة الإرهاب، في ظل وجود قيادة تحمل على ظهرها ثارات عديدة، وأطاحت بآمال المُعوّلين عليها، ولم تُقدّم شيئا ملموسا رغم اقتراب نهاية مدتها.
إن الحديث عن أزمات مصر ليس من حق المصريين وحدهم، فمصر هي قلب العالم الإسلامي والعربي، ولا يمكن بأي حال أن تنعم هذه الأمة بالصحة، والقلب منها سقيم، حفظ الله مصر وشعبها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا
يعلمون.
=========
الكاتبة الاردنية احسان الفقيه
المصدر : القدس العربي
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة