كاتب فلسطيني
دور الضحية.. خطيئة الإخوان المسلمين
ما من شك في أن السياسة ركيزة كل حديث يدور في الوطن العربي على كافة المستويات بين الأفراد رسميا وشعبويا، بالإضافة إلى النُخب المثقفة، والسبب في ذلك الأحداثُ الجسام التي تتشكل كل يوم على الأرض وتملأ كافة وسائل الإعلام، وإفرازات هذه الاحداث على الحياة الاقتصادية والطبقات الاجتماعية والفكرية المتشظية.
في خضم الثورات والثورات المضادة وحالات الاستقطاب والاصطفافات المتباينة بسرعة مربكة، يحاول الجميع من كافة التيارات والمذاهب والمشارب الفكرية والسياسية بلورة مظلمته على أنه ضحية لمؤامرة أو لفكر متطرف أو اطماع دولية هنا وهناك.
فنجد أن الأنظمة الاستبدادية التقليدية تنظر إلى نفسها على أنها ضحية لمؤامرة خارجية لقلب الحكم وتنفيذ مشاريع التقسيم. وفي الكفة الأخرى يقدّم الثوار ومن هم في خندق المعارضة أنفسَهم على أنهم ضحية لوحشية نظام دينُه وديدنه السلطة، وسط تخاذل وتآمر من القوى الكبرى، وعلى أنقاض هذا الصراع تجد ثلة ثالثة، لم تحسم أمرها بالاصطفاف مع السلطة أو المعارضة، نفسها ضحية لصراع الطرفين.
عقلية الضحية
هي سمة مكتسبة يميل فيها المرء إلى النظر إلى نفسه أو نفسها كضحية لتصرفات سلبية تصدر عن الآخرين، والتفكير والتحدث والتعامل كما لو كان الوضع كذلك، حتى في حالة عدم وجود دليل واضح على ذلك، وينظر إليه آخرون أنه مجرد "اصطناع الوقوع ضحية لمجموعة متنوعة من الأسباب، مثل تبرير تعسف الآخرين أو تلاعبهم"، علما بأن هذا الوصف ينتفي جزئيا عن "الإخوان"، إذ أن الأسباب موجودة.
فمن فشل في الحصول على وظيفة ينظر إلى نفسه على أنه ضحية لفساد أو كساد اقتصاد الدولة، ومن فشل في الزواج من حسناء فاتنة ينظر إلى نفسه أنه ضحية لشكله المتواضع أو ظروفه الاقتصادية، وهكذا دواليك.. حتى نصطدم بالمعضلة الكبرى، الضحية السياسية، ذات الأضلاع الثلاثة (النظام، المعارضة، المحايد) وهو المثلث المتأثر بطريقة مباشرة بمجريات الأحداث.
الضحية السياسية بين "الحقيقة والوهم"
منطقيا، فإن شروط إسقاط سمة الضحية على "المعارضة السياسية" في الوطن العربي متوفرة وحاضرة بكل أركانها، من الملاحقة والقمع، إلى الانقلابات والقتل، وبقية السيرة معروفة. لكنْ من منطلق آخر، فإن النضال عموما في حاجة إلى التضحية، فالمدينة الفاضلة ليست إلا كلمات لم ولن تغادر صفحات الكتاب الافلاطوني.
دور الضحية "خطيئة الإخوان المسلمين"
أطياف الصراع على السلطة في الوطن العربي ثلاثة، النظام التقليدي وتقاربه مع العلمانية، ثم الاسلاميون، واليسار، الذي تراجع تأثيره حتى بات أداة للنظام في تسويق دمقرطته المزعومة، وعليه فإن المواجهة قائمة بين النظام التقليدي والإسلاميين.
التضحيات التي لا ثمن لها لا نريدها في خضم التسويات والتقلبات السياسية، فمن المؤكد أنه "لا شيكات على بياض" للنظام أو للإخوان المسلمين، لذلك على الأخيرة أن تُعيد النظر.
رويترز
في كافة البلدان العربية قضى قادة الإحزاب الإسلامية معظم سنوات عمرهم في سجون السلطة وأحزابهم تترنح بين الحظر والحل، هذه الحالة خلقت تعاطفا شعبيا معهم إنطلاقا من مظلمتهم الواضحة، لكن إلى متى تبقى هذه الأحزاب تعشق دور الضحية لضمان التعاطف الشعبي الذي يُرجح كفتها في الانتخابات، ثم تنقلب عليها الدولة العميقة كما جرت العادة؟
نماذج ومآلات
كان الشيخ أحمد يس من وراد هذه الحالة لدواعي الحفاظ على اللُحمة الوطنية والاجتماعية مقابل تضحيتهم. يتشابه هذا الوضع مع نظيره في الأردن، مع اختلاف الشكليات التي يفرضها النظام الملكي، وعن سوريا والعراق.. فالأمر مغاير نظرا إلى تعقيدات الجغرافيا السياسية والتشكيلة الطائفية، وفخ التناقضات الذي سقط فيه الجميع باقتحام القوى الدولية ساحة الصراع. لكن يمكننا القول إن الإخوان الملسمين في مصر هم أبرز من برع في تمثيل هذا الدور متخذين لأنفسهم شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص"، والنتيجة يعرفها الجميع.
لا شيكات على بياض
الإخوان المسلمون قوة فاعلة في المجتمعات العربية وتقمص دور الضحية، والبقاء تحت هذه المظلة لا يجلب لها نصرا! وما سيرتها الطويلة إلا دليل على ذلك. هذه ليست دعوة إلى القتال أو الاقتتال، لكنْ يجب على الاحزاب الإسلامية أن تخرج من هذه القوقعة التي أوردتها المهالك واطوير وسائل السجال السياسي.. فدور الضحية لن يجلب إلا مزيدا من الضحايا دون ثمن أو نتيجة تذكر. فالتضحيات التي لا ثمن لها لا نريدها في خضم التسويات والتقلبات السياسية. فمن المؤكد أنه "لا شيكات على بياض" للنظام أو للإخوان المسلمين، لذلك على الاخيرة أن تُعيد النظر.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة