أحلام المرأة الإيرانية.. هل تتخطى حواجز الفصل العنصري؟
كانت القضايا التي تؤثر على المرأة غائبة غيابًا واضحًا عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2017. هذا ما لم يجد المرء أن تعليق المرشَّح المحافظ حجة الإسلام إبراهيم رئيسي تعليقٌ ذو فائدة، قال فيه بأن حكومته ستعزز من كرامة المرأة داخل الأسرة، لأنه من المفترض أن تكون المرأة "أمًّا صالحة وزوجةً مخلصة".
وهذا الغياب لحقوق المرأة لم يكن مشمولًا في الحملة الرئاسية التي جرَت أحداثُها في (يونيو/حزيران) 2009، عندما أيّدَ مرشَّحان من حركة الإصلاح حقوقَ المرأة.
واليومَ بعد أن أعيد انتخاب الرئيس حسن روحاني وفوزِه بفارق كبير يسمح له بالحُكم لمدة أربع سنوات أخرى، فإنه من الأهمية بمكان أن نتأمل فيما يعنيه فوزُه فيما يخصّ المرأة الإيرانية. يحظى روحاني بدعم واسع النطاق بين سكان الحضر في إيران، والطبقة الوسطى، وبين الشباب والنساء.
حاول بعضُ الناشطين الإيرانيين إثارة القضية خلال الموسم الانتخابي. ففي السادس من شهر (مايو/أيار)، أي قبل عدة أسابيع من الانتخابات، أصدرت نحو 180 امرأة، من بينهنّ صحفيات ومثقفات وناشطات مُخضرَمات مثل نوشين أحمدي خُراساني ومينو مورتازي وفاطمة صادقي وفاطمة غوفارايي، بيانًا يوجز مطالبهنّ من الرئيس المقبل لإيران. ومن بين المطالب: زيادة إشراك المرأة في النشاط الاقتصادي للبلد، وإلغاء القوانين التمييزية، وزيادة الألعاب الرياضية النسائية، وحصة نسبية لا تقل عن 30 في المئة من المناصب الوزارية للمرأة.
لكن لم يُكشَف عن هذا البيان إلا بشِق الأنفس؛ ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن الشهور السابقة للانتخابات شهدت حملة أمنية على مذهب الفاعلية الذي يقول بالعنف من أجل تحقيق الأغراض السياسية، مع تزايد عمليات الحجز والاعتقالات والمحاكمات والسجن لفترات طويلة.
لا مكان للنساء
قدّم كلُّ مرشَّحٍ من المرشَّحين الستة وعودًا بخلق فرص العمل والحدّ من نسبة الفقر خلال حملاتهم الانتخابية، أما الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمرأة فلم يأتِ أحدٌ على ذِكره إلا قليلًا.
وَفقًا لتحليلٍ أجرتْه شبكة عمل المجتمع المدني الدولي (ICAN) في 11 (مايو/أيار) للمناظرة الانتخابية التلفزيونية الأولى، كان هناك سؤال واحد فقط عن المرأة، مع تخصيص وقت الإجابة عنه لمدة دقيقتين. وكان هذا السؤال يركز على دور المرأة في الأسرة.
وفي مناظرة أخرى، دارَ نقاشٌ بين سردار غاليباف، عُمدة طهران والمرشح السابق، وهو حليف حجة الإسلام إبراهيم رئيسيْ، وبين الأمهات الوحيدات والتحديات التي يواجِهْنَها في تربية الأطفال ذوي الإعاقة. لكنه ركز في جوابه على دعم الأطفال ورعايتهم دون تسليط الضوء على أن أمهاتهم بحاجة أيضًا إلى مساعدة مالية لأداء هذا الدعم وتلك الرعاية.
وتساءلت بارفانه صلاحشوري، وهي برلمانية من طهران، في مقابلة مع صحيفة "شاهرفاند" اليومية: "كيف يتأتّى أن نتعامل مع القضايا الاجتماعية في حين أن مطالب المرأة نصفِ المجتمع لم تُعتبر وتُؤخّذ في الحسبان؟". ووجّهت صلاحشوري نقدَها إلى وكالة البث الحكومية، ولكن ملاحظاتها أشارت بالبَنان أيضًا إلى المرشحين، مشيرةً إلى أن الحد من مناقشتهم لقضايا المساواة بين الجنسين في الأسرة، أظهر ازدراء الرجال بالمشاكل الحقيقية التي تواجهها النساء.
التمييز ضد المرأة
لا يزال التمييز ضد المرأة سائدًا في إيران. فلا تحتفظ المرأة الإيرانية بحضانة أطفالهنّ، ولا يزال الحجاب الإجباري قائمًا، ولا يُدان العُنفُ الأسري إدانةً قانونيةً كافية. وفي الميراث، للذكر مِثلُ حظِّ الأنثيَيْن.
تَصِلُ المرأةُ الإيرانية إلى مراحل التعليم العُليا. وفي عام 2013، سجّلت النساءُ أكثر من 60 في المئة من نسبة المتقدمين بطلبات للالتحاق بالجامعات في إيران. لكنّهنّ مع ذلك يُعَانِينَ من قلة فرص العمل المتاحة لهنّ. وعلى الرغم من أن أرقام البطالة الرسمية تبلغ حوالي 12 %، فإن العدد قد يصل إلى 20 % بالنسبة للنساء.
كما تُدفع للعاملات أجورٌ أقلُّ من نظرائهنّ الذكورِ، ولا سيما في المصانع، ويتعين على العديد من النساء أن يعملْنَ وظيفتَين لتغطية نفقاتِهنّ. وقد تحول عدد متزايد من النساء ذواتِ خلفياتٍ اجتماعية واقتصادية هشة إلى العمل بالجنس لكسب أجورٍ أعلى، سواءٌ على الإنترنت أم في الشوارع.
ولا تزال الأنشطة التي تبدو أمورًا عاديةً في أجزاءَ كثيرةٍ أخرى من العالم، مثل المشاركة في الألعاب الرياضية، تشكل تحديًا في إيران. فلا يُسمح للنساء بالدخول إلى الملاعب مع الرجال، على الرغم من أن اللاعبات الرياضيات الإيرانيات حققْنَ نجاحًا كبيرًا في المسابقات الرياضية الدولية.
نجاحات صغيرة وثابتة
هناك بعض النقاط المضيئة. فقد ازدهرت سيداتُ أعمالٍ إيرانياتٌ في السنوات الأخيرة، متفوقاتٍ في قطاعات متنوعة، من خدمات الشركات القائمة على المعرفة، وإعادة التدوير، إلى تربية الحيوانات.
"ارتفاع نسبة الإقبال من جانب الإناث، وكثرة حجم النساء المؤهلات في مجالس المدن، من الممكن أن يتيح للمرأة مزيدًا من الحرية لتغيير حياتهنّ اليومية"
أما على الصعيد السياسي أيضًا، فإن النساء حقّقنَ انتصاراتٍ بِخُطًى حثيثة. ففي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في (مايو/أيار) من عام 2016، انتُخِبت 17 امرأة للانضمام إلى الهيئة المكونة من 290 عضوًا، وهو سجل تاريخي للجمهورية الإسلامية.
وشهدت انتخابات مجالس المدينة هذا العام، التي جرت في اليوم نفسِه الذي جرت فيه الانتخابات الرئاسية، مشاركةَ المرأة مشاركةً كبيرةً سواء أكانت ناخبةً أم في لائحة الاقتراع، مع زيادة عدد المرشحات بنسبة 6٪ تقريبا عن العام السابق.
وتتنافس النساء حتى في المدن الصغيرة، وتُعمَّم صورُ المرشحات وتُنشَر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية. ولمجالسِ المدن أهميةٌ كبيرة في تخطيط المدن والحياة الحضرية في إيران، ولذا شجع العديدُ من الناشطين النساءَ على المشاركة فيها.
إن ارتفاع نسبة الإقبال من جانب الإناث، وكثرة حجم النساء المؤهلات في مجالس المدن، من الممكن أن يتيح للمرأة مزيدًا من الحرية لتغيير حياتهنّ اليومية. ولكنّهنّ سيحتجْن إلى دعمٍ من السلطات العليا في سبيل تحقيق ذلك.
جهود روحاني الفاشلة
"يجب أن نؤمن بحضور المرأة وقدراتها، وعلينا أن نعرف أن نساء بلادنا يمكن أن يكون لهنّ أدوار في شتى المجالات، كالعلوم والمعرفة والاقتصاد والسياسة والفنون، تمامًا مثل الرجال".
- الرئيس الإيراني حسن روحاني
رويترز
هل روحاني هو الرجل الذي تنعقد عليه الآمال؟ يُعتبر الرئيس روحاني من المتدينين المعتدلين، ففي عام 2013 أعلن أنه سوف يفتح المجال للمرأة للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. وفي عام 2014، ذهب إلى حدّ انتقاد التمييز العنصري وتشجيع المساواة. وتتعارض هذه التصريحات مع تصريحات المرشد الأعلَى عَلِي خامنئي، الذي يعتقد أن المرأة يجب ألا تبرح بيتها، وأنه يجب على إيران ألا تتبنى آراء غربية بشأن الجنس.
أما في فترة ولاية روحاني الأولى، فقد عَيَّن بعض السيدات في مناصب وزارية وفي مجلس الوزراء. وقد استخدمَتْ مساعدةُ رئيس الجمهورية في شؤون المرأة والأسرة، شهيندخت مولاوردي، هذه المساحة للمساهمة في النقاش الوطني حول قضايا الجنسين، من خلال إدانة المتشددين الذين هددوا المتفرِّجات في مباراة الكرة الطائرة للرجال.
قال الرئيس روحاني في حديثه في مؤتمر وطني عن المرأة والتنمية انعَقد في السابع من شهر (فبراير/شباط) "إنه يجب أن نؤمن بحضور المرأة وقدراتها، وعلينا أن نعرف أن نساء بلادنا يمكن أن يكون لهنّ أدوار في شتى المجالات، كالعلوم والمعرفة والاقتصاد والسياسة والفنون، تمامًا مثل الرجال".
السؤال المطروح الآن هو: هل سيستخدم روحاني ولايته الثانية لإيجاد فرص جديدة والارتقاء بآمال المرأة الإيرانية؟
رويترز
لكن كثيراتٍ من النساء الإيرانيات يشعرن بأن روحاني قد خذَلَهُنّ. فإن الفصل العنصري في الأماكن العامة وكذلك التمييز بين الجنسين وشُرطة الأخلاق، كل ذلك لا يزال قائمًا، ولم يزل الرئيس صامتًا عندما أُلقي القبضُ على بعض الناشطات خلال الحملة الانتخابية.
ومن المسَلَّم به أن روحاني لديه مجال محدود للمناورة. ويتولى المتشددون ذوو النفوذ فرضَ السيطرةِ على الهياكل السياسية الإيرانية الرئيسية، ومن بينها مجلس صيانة الدستور، الذي له القول الفصل في تفسير القيم والتشريعات الإسلامية، بما في ذلك حق النقض. كما تحُول الأغلبيةُ المحافِظةُ في البرلمان دون تمريرِ قراراتِ الإصلاحاتِ القوية.
والسؤال المطروح الآن هو: هل سيستخدم روحاني ولايته الثانية لإيجاد فرص جديدة والارتقاء بآمال المرأة الإيرانية؟
========================================
هذا التقرير مترجَم عن:(ذاكونفرزيشن)
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن